نستعيد ذكرى رحيل الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ الذي غادرنا صباح الأربعاء الموافق (30 أغسطس 2006) وهو في سن 94، بعد حياة أدبية استمرت 70 عاماً حافلة بالعطاء الأدبي الذي أثمر مشروعاً ضخماً يرتكز على أكثر من 55 عملاً روائياً ومجموعات قصصية وعدد من سيناريوهات الأفلام وكتب تضم مقالاته التي كتبها في جريدة الأهرام في البدايات.
تمر أمامي هذه العبارة فألمس بصدق تلك الرؤية النافذة والعمق الفلسفي اللذين لطالما وجدتهما في جميع أعمال محفوظ، إنه العمق والرؤية التي رفعته إلى منزلة الروائي الأديب، وهو ما يتوجب على كتّاب اليوم فهمه: أن ليس كل من كتب رواية جاز له أن يسمي نفسه أديباً!
يقول نجيب محفوظ على لسان «إخناتون» بطل روايته (العائش في الحقيقة): «الخير لا ينهزم، والشر لا ينتصر، لكننا لا نشهد من الزمان إلا اللحظة العابرة. العجز والموت يحولان بيننا وبين رؤية الحقيقة»، والحقيقة أن هذا القول لو تأملناه جيداً لتراجعنا عن كثير من القناعات البائسة التي نرددها كثيراً في لحظات الإحباط والحزن واليأس، ولعل أولاها (الخير في هذه الأيام ضعيف ومهزوم أمام قوى الشر المنتصرة والقوية)!
إن نجيب محفوظ إذ يرد علينا ببصيرته المعهودة، فإنما ليؤكد لنا أننا ونحن نطلق هكذا أحكام، وبكل هذا الحسم، علينا أن نتوقف قليلاً لنسأل أنفسنا: ماذا وكم عشنا من الزمن لنحكم بهكذا حكم في لحظة عابرة تسلط فيها الشر بفعل ظروف عملية وتراجع الحق بفعل ظروف موضوعية أيضاً؟، فهل سنعيش أزمنة أخرى لنرى عكس هذه النتيجة؟ لقد أثبتت سيرورة الزمن أن لا ثبات لشيء، لكننا قوم متعجلون!
أستعيد هذا القول من روايته (العائش في الحقيقة) التي كتبها في العام 1985 بعد أن أنهى مرحلة الرواية التاريخية بثلاث روايات، كان آخرها رواية (كفاح طيبة) عام 1944، لكنه عاد بعد سنوات، وفي منتصف الثمانينيات تحديداً، ليكتب هذه الرواية بعد أن وقع في يده كتاب باللغة الفرنسية عن «إخناتون» يتضمن آراء غريبة ومتناقضة لم يسمع بها من قبل، ما أثار فضوله وأعاد شغفه بكتابة التاريخ الفرعوني فكانت هذه الرواية.