افتتح معهد الشارقة للتراث، بحضور رئيس المعهد الدكتور عبد العزيز المسلم، مؤتمر التراث الأول تحت شعار “مدائن التراث في العالم العربي” في المنطقة التراثية بقلب الشارقة، وذلك بمناسبة مرور عقد كامل على تأسيسه، حيث يُعتبر منصة حوارية علمية واستراتيجية تهدف إلى تسليط الضوء على التراث العمراني العربي من خلال مناقشة التجارب الرائدة في هذا المجال والبحث في أبرز القضايا والتحديات التي تواجه المدن العربية في مسيرتها نحو المستقبل.
كما يشكل فرصة ثمينة لتعميق الفهم المشترك حول أهمية الحفاظ على التراث المعماري العربي وتقديم حلول مستدامة للحفاظ على هوية المدن العربية.
يأتي ذلك بمشاركة 50 خبيرًا وباحثًا أكاديميًا من مختلف أنحاء العالم العربي، ويجمع ممثلين عن 19 دولة عربية .
تستمر فعاليات المؤتمر الذي يعقد في الفترة من 16 إلى 18 ديسمبر 2024 بمشاركة 50 خبيرًا وباحثًا أكاديميًا من مختلف أنحاء العالم العربي، ويجمع ممثلين عن 19 دولة عربية هي: الإمارات، العراق، لبنان، الجزائر، السعودية، مصر، سوريا، المغرب، السودان، اليمن، موريتانيا، قطر، الكويت، تونس، ليبيا، فلسطين، عمان، البحرين، بالإضافة إلى استعراض الأثر العربي في مدن مقدونيا.
وتضمن حفل الافتتاح عرضًا فنيًا قدمته فرقة معهد الشارقة للتراث، حيث تم استعراض مجموعة من العناصر التراثية التي تعكس تنوع وغنى التراث الثقافي لإمارة الشارقة والمنطقة، مما أتاح للحضور فرصة للتفاعل مع الموروث الثقافي المحلي في أجواء احتفالية مميزة، كما تم عرض فيلم وثائقي بعنوان “غرس التراث”، الذي سلط الضوء على الجهود التي بذلها معهد الشارقة للتراث في الحفاظ على التراث الثقافي الإماراتي والعربي، بالإضافة إلى كيفية نقل هذا التراث للأجيال القادمة. كما تم عرض فيلم وثائقي آخر بعنوان “حصاد التراث”، الذي أبرز حصاد جهود المعهد في مجال الحفاظ على التراث الثقافي من خلال مشاريعه ومبادراته المتعددة، مع التركيز على التقدم الكبير الذي حققه المعهد في تعزيز الهوية الثقافية للإمارة.
وعلى هامش الحفل، أطلق الدكتور عبدالعزيز المسلّم كتاب “عقد من التراث”، الذي يتناول تاريخ المعهد منذ تأسيسه ويستعرض المحطات الرئيسية التي مر بها خلال عقد من الزمن في مجال الحفاظ على التراث، حيث اختتم الحفل بتكريم شخصية المؤتمر التي كان لها دور بارز في إثراء هذا المجال، بالإضافة إلى تكريم مؤلفي إصدارات معهد الشارقة للتراث الذين قدموا إسهامات مهمة في توثيق التراث الثقافي.
واستعرض رئيس معهد الشارقة للتراث، الدكتور عبد العزيز المسلم خلال كلمته مسيرة المعهد الممتدة على مدار عشر سنوات من العمل الجاد في توثيق وحفظ التراث الثقافي، مشيرًا إلى أبرز الإنجازات التي حققها المعهد في هذا المجال.
وقال: ” من هنا وقبل عقود مضت، كانت الشرارة الأولى، والشعلة المنيرة التي أضاءت للتراث دروبه، وحفظت له كنوزه ورموزه ومعالمه وصروحه، حيث بدأت جهود الشارقة في الحفاظ على تراثها العمراني بتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مع إنشاء «وحدة التراث» عام 1987، التي كانت نواة العمل الممنهج لحماية المواقع التراثية وإحياء العمارة التقليدية. تلت ذلك خطوة مهمة في عام 1995، بتأسيس «إدارة التراث» التي أخذت على عاتقها وضع السياسات والخطط التنفيذية للمشاريع الكبرى المتعلقة بالحفاظ العمراني.
وفي عام 2014، أُنشئ المعهد ليكون مرجعاً علمياً وأكاديمياً يسهم في تدريب الكوادر وتأهيل الخبراء المتخصصين في مجال الترميم والحفاظ على التراث. ولعب المعهد دوراً محورياً في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التراث، إلى جانب توفير الأبحاث والدراسات التي أسهمت في دعم جهود الترميم. وقد استفادت الشارقة في ذلك من الخبرات العالمية في مجال الترميم، حيث استقدمت نخبة من المتخصصين والخبراء العرب وغيرهم، للعمل جنباً إلى جنب مع الكوادر المحلية. وكان لهذه الشراكة أثر إيجابي كبير، حيث تعلّم العاملون المحليون من التقنيات العالمية المتطورة، ما أدى إلى نشوء مدرسة متكاملة في أعمال الترميم والحفاظ العمراني داخل الإمارة، حتى أصبحت الشارقة نموذجاً تعليمياً رائداً يُقتدى به. استلهم العديد من العاملين في مجال الترميم والحفاظ العمراني من تجربتها الفريدة، سواء في الإمارات أو في العالم العربي.
وأضاف: “وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، شهدت الشارقة العديد من مشاريع الترميم البارزة التي أصبحت اليوم معلماً ثقافياً مهماً. من بين تلك المشاريع: منطقة قلب الشارقة، حصن الشارقة، بيت النابودة، المسجد الجامع وغيرها. كما توسّع نطاق الحفاظ العمراني ليشمل مدن الشارقة ومناطقها الوسطى والشرقية، التي أصبحت واجهات للجذب السياحي، حيث أن هذه المشروعات الرائدة في الحفاظ والإحياء لم تكن مجرد أعمال إنشائية، بل كانت جزءاً من رؤية أوسع للحفاظ على الهوية الثقافية للإمارة. فقد أدركت الشارقة أن التراث العمراني ليس مجرد مبانٍ قديمة، بل هو انعكاس لتاريخ المجتمع وقيمه وتقاليده. لهذا تم ربط مشاريع الترميم بمبادرات ثقافية تهدف إلى تعريف الجمهور المحلي والعالمي بأهمية هذه المعالم ودورها في تشكيل هوية الشارقة.
الشارقة رمزاً حياً للمدن التي تفخر بماضيها وتعمل على تأمين مستقبلها.
من جانبه، أكد مدير إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث، الدكتور مني بونعامة، أن الشارقة أثبتت من خلال تجربتها الرائدة في الحفاظ على التراث العمراني أن التقدم والحداثة يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب مع الحفاظ على الأصالة والهوية. هذه التجربة تعد نموذجاً ملهماً يُظهر كيف يمكن للمدن المزج بين الأصالة والمعاصرة بطريقة تعزز من مكانتها الثقافية والاقتصادية. ومع استمرار جهود الإمارة في هذا المجال، تظل الشارقة رمزاً حياً للمدن التي تفخر بماضيها وتعمل على تأمين مستقبلها. فهي تستمر في التطور والابتكار مع تنفيذ مشروعات تنموية كبرى تعكس رؤيتها للمستقبل.
وأشار إلى أن يصاحب المؤتمر معرضان، أولهما تحت شعار: “الشارقة مدينة التراث” محتفياً بالدور الريادي للشارقة في حماية تراثها وترميم معالمها وبناء صروحها التاريخية التي غدت واجهات للجذب السياحي، فيما يستعرض المعرض الآخر المجلات العلمية التراثية المحكمة من خلال انتخاب أربع مجلات، هي: الثقافة الشعبية (البحرين)، المأثورات الشعبية (قطر)، الثقافة الشعبية (مصر)، الموروث (الإمارات).
ويضم المؤتمر العديد من الجلسات العلمية وورش العمل التي تركز على تسليط الضوء على التجارب العربية الناجحة في مجال التراث العمراني، ومناقشة كيفية مواجهة التحديات المشتركة بين هذه الدول في الحفاظ على مدنها التاريخية.
يُشارك في المؤتمر أيضًا أربع منظمات ومؤسسات دولية وعربية بارزة، وهي: إيكروم الشارقة، الألكسو، إيسيسكو، والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، مما يضمن للمؤتمر إثراءًا معرفيًا ومناقشات معمقة تجمع بين الخبرات المحلية والدولية، حيث تستعرض هذه المنظمات الدولية دورها في دعم جهود الحفاظ على التراث الثقافي في العالم العربي، وكيفية تعزيز التعاون بين الدول العربية لتحقيق أهداف مشتركة في هذا المجال.
وتركز محاور المؤتمر على مواضيع حيوية ترتبط بشكل مباشر بمستقبل التراث العمراني العربي. أولى هذه المحاور هو الهوية الحضارية والتاريخية للمدينة العربية، والتي تهدف إلى مناقشة كيف يمكن للمدن العربية الحفاظ على هويتها الثقافية في ظل التحديات المعاصرة، كما سيتم التطرق إلى موضوع المدينة العربية العتيقة: بين الأمس واليوم، حيث يُناقش تطور المدن القديمة في العالم العربي ومدى تأثير التحديثات الحديثة على هذه المدن.
ويشمل المؤتمر أيضًا مناقشات حول المدينة العربية المعاصرة في مواجهة الماضي وتحديات الراهن، بما يتضمن دراسة كيفية الجمع بين المعمار التقليدي والتطورات الحديثة في المدن العربية. من الموضوعات الأساسية الأخرى التي ستتم مناقشتها مشروعات الحفاظ على التراث المعماري العربي بين التطوير والتدمير، حيث سيتم استعراض أفضل السبل لتطوير المدن دون التأثير سلبًا على معالمها التاريخية. كما سيشمل المؤتمر محاور تتعلق بـ المدن العربية.. وأفق المستقبل، لاستكشاف الرؤى المستقبلية لمدن العالم العربي وكيفية التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في مجال الحفاظ على التراث.