لعل أكثر الجوانب المثيرة للدهشة في خبر ارتفاع حجم الدين العالمي إلى رقم هائل، وهو 307 تريليونات دولار، الذي تداولته وسائل الأنباء العالمية نقلاً عن «المعهد الدولي للتمويل»، هو هذا القدر الكبير من اللامبالاة الذي قوبل به الخبر.

لم تتحرك أي جهة اقتصادية دولية حتى الآن لتُعلن عن تحرك رسمي في مسعى للتعامل مع أزمة ارتفاع الدين العالمي. وإذا كان هذا هو حال المؤسسات الدولية، فمن الطبيعي أن يكون هو نفسه حال الحكومات، التي كانت واحدة من الأسباب الرئيسية وراء هذه الأزمة.

إن هذا الرقم المخيف يعني ببساطة أن كافة الحكومات على مستوى العالم فقدت الحصافة تماماً في تعاملها مع مواردها المالية.

يحتاج هذا الأمر إلى تقص تاريخي لمعرفة مدى بدأت الظروف التي أفضت إلى تراكم الديون حتى بلغت هذا الرقم الخرافي.

يكاد يُجمع الخبراء والمحللون الاقتصاديون على أن عام 1994 – 1995 تحديداً كان بمثابة الشرارة التي أطلقت جحيم الديون، بالإضافة إلى ذلك فقد شهد هذا العام إفلاس بنك «بارينج»، واندلاع أزمة حادة ضربت بنك «المكسيك»، وأدت إلى تغيرات جذرية في آلية وهيكل إدارته. وبدأت الشرارات تتوالى، فجاء عام 1997 – 1998، والذي شهد أزمات اقتصادية حادة في العديد من الأسواق الآسيوية الناشئة.

وبعد ذلك، جاء انفجار فقاعة الشركات التقنية في عام 1999 – 2000. وفي مطلع الألفية الثالثة، كانت أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها الاقتصادية الكارثية. وجاءت الأزمة المالية العالمية الشهيرة في عام 2008 لتضيف لبنة عملاقة إلى هيكل الأزمات الاقتصادية والديون العالمية.

وفي عام 2016، كان انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وهو الحدث الذي يراه العديد من المحللين بأنه حدث مفاجئ كانت له تداعياته السلبية على الاقتصاد العالمي، والذي لا يزال يحاول حتى الآن أن يتعافى منه. ويكفي للتدليل على ذلك، أن ترامب كان هو الذي أشعل فتيل الحرب التجارية الأمريكية الصينية، وهو ما كان بمثابة نذير شؤم على مفهوم حرية التجارة الذي لطالما حلم به العالم.

وجاء تفشي جائحة «كوفيد19» نهاية عام 2019، ليضيف إلى هيكل الأزمات الاقتصادية العالمية أزمة ذات بُعد جديد، طابع جديد، ونوعية جديدة من الآثار السلبية، فلأول مرة في التاريخ المعاصر، يشهد العالم موجة إغلاق كلي اجتاحت غالبية دوله وأجبرتها على إيقاف غالبية أنشطتها الاقتصادية.

وتمثلت اللبنة الأخيرة في الأزمة الروسية الأوكرانية الراهنة التي اندلعت رسمياً في فبراير من العام الماضي، وما خلفته من موجة تضخم عالمية شرسة لم تترك دولة من دول العالم إلا وألقت بها في أتون ارتفاع السلع الرئيسية.

شاركها.