لنتخيل أفراداً في أسرة، لا يلتقون ولا يجلسون سوياً إلا فيما ندر، وفيما ندر هذا نادر جداً في الأساس؟ لأنهم جميعاً مشغولون كل على طريقته وفي عمله، لذلك يتبادلون الأخبار ويطمئنون على بعضهم من خلال قصاصات يتركونها لبعضهم على باب ثلاجة المطبخ!
لنتأمل الأم وهي تكتب قصاصة قبل أن تخرج إلى عملها: «كلير.. ما الفائدة من امتلاككِ هاتفاً محمولاً وأنتِ تطلقينه دائماً؟ اضطررتُ للاتصال ببيت صديقتك، وقالت لي أمها إنك لم تكوني هناك. قلقت عليكِ للغاية. أين كنتِ؟».
نحن أمام واحدة من ألطف وأعمق الروايات التي قرأتها منذ مدة طويلة بعنوان «الحياة على باب ثلاجة» للكاتبة البريطانية «أليس كويبرز» التي ترجمت لأكثر من 28 لغة أخرى ورشحت لجوائز كثيرة، وحسب ظني فإن تقنية الرواية القائمة على تبادل رسائل قصيرة ملصقة على باب الثلاجة بين بطلتي العمل دون أية حوارات أو لقاءات بينهما كان سبباً وجيهاً للاهتمام بالرواية لأنه أوصل رسالة في غاية الأهمية بالنسبة لهذه المجتمعات.
لقد ذكرتني برواية (نسيم الصبا) للكاتب النمساوي دانييل غلاتاور، حيث يتبادل البطلان فيها 1500 رسالة إيميل دون أن يلتقيا أبداً!! إنه من الصعب بناء عمل روائي ناجح وقادر على الوصول للقارئ دون اللجوء للأساليب المعتادة!
تقوم الرواية على تبادل قصاصات قصيرة تلصق على باب ثلاجة المطبخ نتعرف من خلالها على حياة الأسرة وعلاقاتهم وكيف تباعدوا وما الذي قربهم و.. كما نكتشف أهمية التجريب، حيث لا وصف ولا حوار ولا علاقات مباشرة، ليس سوى قصاصات يقول فيها الجميع ما يريدون وما يشعرون وما يعانون!
في إحدى القصاصات تكتب الابنة ما يوحي بغضبها من انشغال أمها الدائم بعملها فتكتب لها الأم قصاصة أخرى قبل أن تخرج تقول فيها: «كلير: سأذهب للعمل الآن، العمل الذي أحصل منه على النقود التي نأكل بها ونشتري بها الملابس التي نرتديها، وتحافظ على وجود سقف فوق رؤوسنا، ماما»!
ما يجعل القارئ يتساءل بدهشة وسخرية عن ضرورة هذا السقف المزعوم طالما لا توجد رؤوس تحته طيلة الوقت؟