تشرق شمس الصباح معلنة بداية يوم جديد، “أحدهم” هناك في مكان ما من كوكب الأرض، لم يزل مستلقياً على سريره، يود أن يستمر في نومه، ولكن لا يملك إلا أن يجبر نفسه على الاستيقاظ. يستيقظ متعبًا، وفاقدًا أي رغبة ببداية يوم عمل جديد، ويسأل نفسه: ماذا يعني يوم عمل جديد؟ سؤال يسير، لكن الإجابة عنه مؤلمة نفسيًا؛ إذ يجب عليه أن يلملم مشاعره المنهكة، وأحاسيسه القلقة، ويتوجه نحو ذلك المكان الذي يؤدي من خلاله مهمات وظيفته، ويقدم خدمة لمجتمعه، وليحافظ في الوقت ذاته على مصدر رزقه الذي يستعين به على تلبية احتياجاته، وتوفير مستلزمات عائلته.
“أحدهم” هذا مؤمن بفكرة العمل، وهو يعرف أن الإنسان يجب أن يكون مُمارسًا لعمل ما، ومنتجًا في هذه الحياة. لا توجد لديه مشكلة في هذا الأمر، لكن مشكلته الفعلية مع بيئة العمل التي ينتمي إليها؛ إنها بيئة عمل أقل ما يقال عنها إنها بيئة سامة، معبأة بالطاقة السلبية، طاردة للإبداع والمبدعين. بيئة تفتقر لمديرين ملهمين، وقادة مؤثرين، إذ لا تتوفر للموظفين فرصة للتعبير عن ذواتهم، ولا يسمح لهم ببناء وتطوير ما يتمتعون به من جدارات، وبالتالي تجعل أغلب من ينتمي إليها كئيبًا، وفاقدًا الأمل والطموح، وغير قادر على التواصل الإيجابي مع الآخرين.
في أحد أيام العمل، عاد “أحدهم” إلى بيته مساءً، وبعد أن تناول شيئًا من الطعام، وحصل على قسط من الراحة، رن جرس الباب، فإذا بصديق مقرب يستأذن بالدخول. دخل الصديق، وكان “أحدهم” سعيدًا بهذه الزيارة الطيبة. قال الصديق: ما لي أراك مهمومًا؟ أجابه قائلاً: إنها المؤسسة التي أعمل فيها يا صديقي، الموضوع معقد، ولا أدري كيف أشرحه لك. رد الصديق: أرجوك، اشرح لي معاناتك، وأوضح لي طبيعة مكان عملك، عسى أن أتمكن من مساعدتك. قال “أحدهم”: حسنًا، كي لا أطيل عليك، سوف أصف لك المؤسسة التي أعمل فيها من خلال ثلاث نقاط، ثم دعني بعد ذلك أستمع إلى تعقيبك، وأتعرف على رأيك بما سأقوله لك.
أولاً، نحن نعاني من إشكالية في القيادة، إذ إن التعامل مع الموظفين يتم بأسلوب آلي لا يؤمن بمدخل الإدارة بالمشاعر. أسلوب لا يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات النفسية للعاملين، ولا يعترف بطموحاتهم الطبيعية في التطور المهني، ولا يوفر لهم فرصة المساهمة الحقيقية في كتابة قصة نجاح المؤسسة التي يعملون فيها.
الإشكالية الثانية تتعلق بشيوع علاقات إنسانية سلبية بين المديرين والموظفين من جهة، وبين الموظفين أنفسهم من جهة أخرى، مثل عدم ثقة المديرين بالعاملين، واستحواذ المديرين على الصلاحيات، وتجنب إشراك الموظفين في عمليات صنع القرارات وحل المشكلات، وانتشار مشاعر الحقد والضغينة والحسد والغيبة والنميمة بين الموظفين، مع ضعف الالتزام بقيم الصدق والنزاهة والإخلاص في العمل.
أما الإشكالية الثالثة فتتمثل بعدم وجود سياسات ونظم عمل واضحة، وبالتالي اعتماد المؤسسة في تسيير شؤونها على وجهات نظر شخصية تفتقر للمعايير، والمؤشرات، والمقاييس العلمية الرصينة. هذا الأمر يجعل بيئة العمل فوضوية، بعيدة عن مبادئ التنظيم، وغير ملائمة للموظفين المنضبطين والمميزين.
توقف “أحدهم” عن الكلام، وأخذ نفسًا عميقًا، ثم قال لصديقه: هذا هو المختصر المفيد، والآن أود أن أستمع إليك، فتفضل. قال الصديق: فعلاً الموضوع شائك، وواضح جدًا أن محل عملك غير مريح، وغير جيد، وغير صحي. لذلك، ينبغي عليك أولاً أن تجتهد في حدود إمكاناتك بإحداث تغييرات إيجابية في بيئة العمل؛ من خلال تقديم مقترحات تحسينية، أو طرح أفكار تطويرية للمديرين والمسؤولين. إن لم تفلح محاولاتك، ينبغي عليك أن تسارع في البحث عن بديل أفضل، خاصة أنك في مرحلة الشباب، والعمر لا ينتظر. ولكن انتبه، إلى أن يأذن الله عز وجل لك بالتغيير، يجب عليك أن تحافظ على وظيفتك، وتؤدي واجباتك المهنية بإخلاص، وفي الوقت ذاته تجتهد في تطوير قدراتك ومهاراتك، بالتوازي مع البحث عن مؤسسة أخرى ترعى موظفيها، وتهتم بمسألة تطويرهم، وتدعم معنوياتهم، وتحافظ على صحتهم النفسية.
في ختام هذه الجلسة الودية، اتفق “أحدهم” مع صديقه على أن المؤسسات وجدت لخدمة المجتمع الذي توجد فيه، وقوام هذه المؤسسات هم موظفوها؛ لذلك ينبغي على القادة والمديرين والمشرفين أن يعوا ويدركوا أن النجاح والتفوق المؤسسي لا يتم في عالم الواقع إلا من خلال عطاء الموظفين، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا شعر الموظف بانتمائه لبيئة العمل، وولائه التام لها، إلى جانب إحساسه بالارتياح العاطفي، والاستقرار النفسي.