السؤال الأهم في دراسة طبيعة وشكل العلاقات الاجتماعية بين الأجيال المختلفة في المجتمع هو: هل العلاقات بين الأجيال المتباينة عمرياً وثقافياً علاقة قائمة على التعايش والقبول أم على الصراع والرفض؟، وبطبيعة الحال فالرفض والقبول هنا يخصان الأفكار والقناعات والسلوكيات لدى كل جيل على حدة، وكذلك الأشياء التي يتعاملون بها ومعها، هل هي مقبولة من قبل كل جيل أم أنها مرفوضة وتشكل نقطة خلاف وصراع دائم؟
فأجيال اليوم (لا نعمم ولكننا نصف واقعاً أخذ في التمدد) تؤمن بالحرية وعدم تقبل الوصاية والنصائح والتوجيهات من أي طرف، وتعتبر ذلك تدخلاً سافراً في شؤونها الخاصة! كما أنهم يميلون لنمط الحياة الغربية المتحررة، كما في الملبس، في السفر، في الدراسة والمعيشة، في اختيار شريك الحياة، وفي أمور أكثر أهمية وحساسية ربما لا أستطيع ذكرها هنا، لكنها معروفة للجميع، خاصة ونحن نعيش مرحلة ضغط عالمية باتجاه إقرار حقوق وتوجهات معينة خارجة على تعاليم ديننا وقيمنا، لكن يجري الترويج لها والعمل على نشرها بكافة الطرق والوسائل!
وإذن هل يتقبل الآباء وجيل الأجداد ذلك؟ قد تتقبل فئة محدودة هذه التغييرات والتقلبات لأسباب مختلفة، لكن الأغلبية لا تفعل، فنحن نعيش في نهاية المطاف ضمن مجتمع مسلم ومحافظ ومرتبط بمحيطه العربي، وعليه فإن هذه التباينات تصنع محيطاً ذا ضغط عالٍ يقود للتوتر المستمر ما ينعكس على تباعد العلاقات، إذن فالأقرب للإجابة عن سؤالنا الأول أن نقول إن العلاقات قائمة بالفعل على التعايش تحت أسقف المنازل، ولكنه التعايش الظاهري المحاط بأسوار فاصلة بين أفكار وعلاقات وسلوكيات ومعتقدات ومبادئ تخص كل جيل على حدة!
هل هذا اللاتعايش المبدئي بين الأجيال طبيعي؟ هل هو نتاج لتحولات المجتمعات المعاصرة؟ هل لنوعية التعليم العام والخاص، والإعلام المرئي، وثورة وسائل الاتصال والسوشال ميديا، ومنصات الدراما المتحررة وضعف الرقابة الأسرية علاقة بالأمر؟ نعم دون شك! نقول ذلك حتى لا نظلم كل الجيل ولا حتى بعضه، لكن لا يمكننا كذلك أن نبرّئهم تماماً.. بعضهم على الأقل!!