لم تكن الكابتن حمدة المنصوري تتخيل أن جائحة «كورونا» ستغيّر مسار حياتها، وتنقلها من روتين العمل إلى عالم البحر المليء بالمغامرة والخطر والجمال، ففي وقت تبحث كثيرات من النساء عن هواية تميزهن، اختارت ابنة الإمارات طريقاً صعباً مختلفاً تماماً، يبدأ من سطح البحر وينتهي في أعماق تتجاوز الـ100 متر، لتصبح أول إماراتية تمارس الغوص التقني العميق، وذلك، بعد أن جمعت بين الشجاعة والعلم وحب الاكتشاف لتصبح نموذجاً للمرأة التي كسرت الحواجز وواجهت الخطر بابتسامة، لتزرع شغف المغامرة في فتيات الإمارات.

ورأت أن البحر ليس خوفاً، بل هوية وشفاء واكتشاف للذات، ومجال للفخر برفع علم الإمارات في أعماقه: وقالت: «إن كنا أبناء الصحراء، فنحن أيضاً أبناء البحر، ولم نتركه، بل وصلنا إلى أعمق نقطة فيه».

عن البدايات

في مستهل حوارها مع «الإمارات اليوم»، توقفت الكابتن حمدة عند بداية تعلقها بهواية الغوص وتزامن ذلك مع ظروف الجائحة العالمية التي فرضت قيوداً كثيرة على التنقل والحركة، ما جعلها تقرر البحث عن مكان بعيد ومفتوح، تشعر فيه بالانعتاق والأمان، فتعلقت بالبحر، ومضت في اكتشاف أسراره، مضيفة: «ساعدتني مهاراتي في السباحة على الالتحاق بدورة متخصصة في مجال الغوص الترفيهي، فحصلت فيه على أول رخصة، من ثم، زاد شغفي بالأعماق التي اكتشفت أنها المكان الوحيد الذي لا أشعر فيه بالوقت والحيز الأمثل للتأمل والسكينة، فانطلقت في سبر أغوارها رافعة سقف طموحاتي بتحصيل المزيد من الخبرات وخوض المزيد من المغامرات».

بدأت الكابتن حمدة بمستوى «أوبن ووتر دايفر»، وهي أول وأهم شهادة أساسية في عالم الغوص الترفيهي، وتعد بمثابة «رخصة قيادة» للغواصين، ثم مضت في تحصيل المزيد من الشهادات المتخصصة في المجال لتنال بجدارة شهادة الغواص المتقدم، ومن بعدها الإنقاذ، ومن ثم مساعد مدرب، وشهادة مدربة غوص ترفيهي، وصولاً إلى المجال الأصعب والأكثر خطورة، وهو الغوص التقني، موضحة: «كثيراً ما كنت أسمع من المدربين أن الغوص العادي يتوقف عند حدود 40 متراً، فكنت أتساءل لماذا الوقوف عند هذا الحد؟ وعندما لم أجد إجابة مقنعة، بدأت أبحث بنفسي، لأكتشف أن الإنسان يمكنه النزول لأعماق أكبر باستخدام تقنيات معينة ودقيقة، لأن هذه النوعية من رحلات الغوص تستغرق ساعات عدة، فقررت أن أخطو هذه الخطوة ونجحت».

حول العالم

لم تكتفِ الكابتن حمدة بالغوص العميق، بل سعت إلى توسيع تجربتها لتشمل غوص الكهوف والجليد: «غصت في أماكن كثيرة حول العالم، فيما بدأت من الإمارات في مناطق من رأس الخيمة والفجيرة، التي وصلت فيها إلى عمق 85 متراً، ثم واصلت رحلتي إلى مصر فغصت إلى حدود 110 أمتار، وكانت من أجمل التجارب والمغامرات الفريدة في حياتي، كما غصت أيضاً في النرويج تحت الجليد، وفي بودابست داخل كهف (مولنار) الخطير، وفي جنوب إفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا وأستراليا، وحتى في جزر فيجي وبالاو في المحيط الهادئ، وأعتقد أنني لم أترك قارة إلا وغصت في مياهها، لأن البحر بالنسبة لي لا حدود له، وهو العالم الذي أنتمي إليه».

ولم يتوقف شغف حمدة المنصوري، عند حدود هواية الغوص وتحصيل الشهادات المعتمدة، بل تعدتها إلى مجال التدريب في مختلف إمارات الدولة، واصفة هذه التجربة بالقول: «دربت الكثير من الشباب من الرجال والنساء، كما نجحت في تدريب عائلات كاملة من الآباء والأمهات والأطفال من أعمار مختلفة»، مؤكدة تشجيعها الدائم للأشخاص لخوض غمار هذه التجربة المليئة بالاكتشافات، «فأعماق البحر ليست مخيفة كما يتصورها البعض وإنما مساحة تأمل وشفاء، فيما يعد الغوص الرياضة الوحيدة التي ينفصل فيها الإنسان عن ضوضاء الحياة».

وفي الختام، لفتت الكابتن حمدة إلى سعيها تأسيس مدرستها الخاصة في مجال الغوص، ورفع سقف طموحاتها في هذا المجال الصعب محلياً ودولياً، وأضافت: «أطمح بتأسيس مدرسة أتولى فيها تدريب محبي هذه الرياضة وتخريج جيل جديد من الغواصين الإماراتيين، الذين يتعمقون في أسرار البحر بعلم وخبرة».


مواقف لا تُنسى

استذكرت كابتن حمدة المنصوري أصعب لحظاتها تحت الماء قائلة: «في إحدى رحلات الغوص داخل سفينة غارقة، كانت الممرات ضيقة جداً، وأصبح الخروج صعباً، لكنني وبعد استثمار ما تعلمته من دورات التدريب على الغوص في الكهوف، تعاملت مع الموقف بهدوء، وخرجت من هذا المأزق بأمان، وفي إحدى رحلات الغوص العميق الأخرى، فقدت الاتصال بزملائي، فتوقفت واحتسبت كمية الهواء المتبقية، وحاولت الصعود بهدوء باتجاه الحبل، حتى عثرت عليهم من جديد».

حمدة المنصوري:

. أعماق البحر ليست مخيفة كما يتصورها البعض وإنما مساحة شفاء، وانفصال عن ضوضاء العالم.

. إن كنا أبناء الصحراء، فنحن أيضاً أبناء البحر، ولم نتركه، بل وصلنا إلى أعمق نقطة فيه.

. 40 متراً، يتوقف عند حدودها الغوص العادي، أما كابتن حمدة فتصل إلى أبعد من ذلك بكثير.

شاركها.
Exit mobile version