في قلب دبي النابض بالحياة، وتحديداً ضمن أروقة «دبي مول»، يقع أحد أكثر المعالم السياحية إثارة ودهشة في المنطقة «أكواريوم دبي» وحديقة الحيوانات المائية، هذا الصرح المائي ليس مجرد حوض أسماك، بل عالم متكامل تحت سطح الماء، يجمع بين العلم والترفيه، ويمنح زوّاره تجربة لا تُنسى في قلب المدينة، ومن بين أبرز ما يقدّمه هذا المعلم تجربة نادرة ومثيرة تضعك وجهاً لوجه مع أكثر المخلوقات البحرية مهابةً: أسماك القرش، ليس لمشاهدتها فحسب، بل لإطعامها والتفاعل معها.

يقع «أكواريوم دبي» في الطابق الأرضي من «دبي مول»، وهو من أكبر الأحواض المائية الداخلية في العالم، إذ يحتوي على أكثر من 10 ملايين لتر من الماء، ويؤوي بداخله أكثر من 33أ

لف كائن بحري تنتمي إلى أكثر من 140 نوعاً مختلفاً، ويُعدّ هذا الحوض موطناً لأكبر تجمّع من أسماك القرش من نوع Sand Tiger في العالم، إلى جانب العديد من أنواع الراي وأسماك الشعاب المرجانية وغيرها من الكائنات البحرية الغريبة.

ويمتد النفق الزجاجي داخل «أكواريوم» بطول 48 متراً، ما يمنح الزائر فرصة السير وسط هذا العالم الغامر، محاطاً بالكائنات البحرية من كل جانب، في مشهد يُضاهي أحلام الطفولة التي تحاكي السير تحت المحيط.

إطعام أسماك القرش

رغم تنوع الأنشطة داخل «أكواريوم»، تظل تجربة إطعام أسماك القرش واحدة من أكثر التجارب جذباً وتميزاً، هذه التجربة مصممة لتقريب الإنسان من مخلوق طالما ارتبط في أذهاننا بالخطر، ولكن في بيئة آمنة ومدروسة، تبرز من خلالها الطبيعة الحقيقية للقرش بوصفه كائناً فريداً أكثر من كونه مفترساً متوحشاً.

يبدأ البرنامج عادة بشرح تثقيفي يقدّمه المدربون البيولوجيون، يتناول خصائص أسماك القرش؛ سلوكها، طبيعة تغذيتها، وأهمية وجودها في النظام البيئي، بعد ذلك، يُتاح للمشاركين مشاهدة عملية الإطعام التي تتم في الحوض الرئيس، ويُشاهد الزائر الغواصين وهم يدخلون الحوض المدجج بأنواع مختلفة من أسماك القرش، ويقدّمون لها الطعام في طقوس مدروسة تضمن سلامة الفريق، وتُظهر الرشاقة والانضباط الغريزي لهذه الكائنات البحرية.

اللافت في هذه التجربة هو التفاعل الحي، فالزائر لا يُشاهد فقط، بل يتعلّم ويُطرح عليه أسئلة، ويُتاح له توجيه الأسئلة للمتخصصين، تُبرز هذه اللحظة وجهاً آخر للقرش: مخلوق حساس، دقيق، لا يتحرك إلا بحساب، ويأكل ضمن ترتيب هرمي دقيق يحدده السلوك الجماعي داخل الحوض.

ومن بين التجارب التي تتجاوز حدود الترفيه التقليدي، تبرز تجربة «Shark Walker» بوصفها لحظة استثنائية تُتيح للزائر أن يتحوّل من مجرد متفرج خلف زجاج، إلى مشارك فعلي يسير على قاع المحيط وسط أسماك القرش، دون أن يكون غواصاً محترفاً.

وتبدأ التجربة بخطوات مدروسة يتولاها طاقم متخصص من الغواصين والمدربين المعتمدين، وبعد تسجيل الوصول والخضوع لفحص سريع وشروح أساسية حول قواعد السلامة، يُقاد المشاركون إلى نقطة خاصة داخل «أكواريوم»، حيث يرتدون خوذة غوص شفافة ومضغوطة توفر الأوكسجين باستمرار، دون الحاجة إلى أي تدريب سابق على الغوص أو حتى إجادة السباحة، التصميم الذكي لهذه الخوذة يسمح للمشارك بالتنفس بشكل طبيعي، كما يتيح له رؤية بانورامية لمحيطه، ليعيش تجربة أقرب ما تكون إلى السير على القمر، ولكن في أعماق البحر.

وداخل حجرة مائية مؤمّنة، ينزل الزائر تدريجياً إلى عمق يقارب أربعة أمتار، ليجد نفسه محاطاً بمئات الكائنات البحرية، وعلى رأسها أسماك القرش الرملي (Sand Tiger Sharks) التي تنساب حوله بهدوء مهيب، وقد تكون هذه الأسماك مخيفة في صورتها النمطية، لكن هنا، في هذا المكان المحكوم بإجراءات أمن وسلامة صارمة، تُظهر هذه المخلوقات جانباً آخر من طباعها، جانباً يفيض بالهدوء والانضباط الغريزي.

لا صوت يعلو هنا سوى الفقاعات المتصاعدة من الخوذات، ولا حركة تسبق الأخرى إلا بإيقاع الطبيعة البحرية، والزائر لا يكتفي بالمراقبة، بل يصبح جزءاً من المشهد، يقف بلا خوف على أرضية الحوض الزجاجية، يحدق في عين القرش عن قرب، ويشعر لأول مرة بأن هذا الكائن المهيب ليس عدواً، بل شريك غامض في هذا الكون الأزرق.

كل ذلك يجري وسط إشراف دقيق من الفريق الفني، الذي يحرص على التواصل بالإشارات، وعلى توثيق التجربة أحياناً باستخدام كاميرات GoPro لتمكين المشاركين من الاحتفاظ بلقطات مذهلة من لحظة نزولهم إلى عالَم كان، حتى وقت قريب، حكراً على الغواصين المحترفين.

منظومة بيئية

هذه التجربة لا تقتصر على المتعة البصرية وحدها، ففي خلفية كل دقيقة تمضي تحت الماء، تقبع رسالة تربوية واضحة: البحر ليس مجرد مساحة جمال، بل منظومة بيئية دقيقة ينبغي أن تُفهم وتُحترم، وجودك داخل الحوض إلى جانب أسماك القرش لا يُفترض أن يستفزك، بل أن يعلّمك التوازن، يزرع فيك شعوراً بالدهشة المتواضعة أمام عظمة الكائنات التي تعيش خارج عالمنا المعتاد.

ولا تُتاح هذه التجربة للجميع، فالحد الأدنى للعمر هو 12 سنة، ويُشترط توفر حد معين من اللياقة البدنية، خصوصاً من حيث البنية الجسدية التي تتيح ارتداء الخوذة بأمان، كما أن ذوي الحالات الصحية الخاصة، مثل مرضى القلب أو النساء الحوامل، يُمنعون من خوض هذه المغامرة حرصاً على سلامتهم.

لكن لمن تسمح له الظروف، فإن «Shark Walker» تمثّل ما يشبه البوابة السحرية إلى عالم بحري غير مألوف، هي تجربة تستحق التوثيق، لا بالكاميرا فحسب، بل في الذاكرة، وإن كانت دبي قد عُرفت بتجاربها الخارقة للعادة، فإن هذه التجربة تحديداً تُعد واحدة من أندر اللحظات التي تضعك حرفياً وجهاً لوجه مع غرابة العالم الطبيعي.. وتجعلك تعود إلى السطح وأنت مختلف.

الاقتراب بلا خوف

لمن يرغب في الاقتراب أكثر دون الحاجة للغوص الكامل، يقدم «أكواريوم دبي» تجربة تحمل اسم Shark Trainer Encounter، في هذه التجربة يرتدي الزائر حذاءً مقاوماً للماء وبدلة واقية، ويدخل إلى منطقة ضحلة مخصصة للتفاعل مع أسماك القرش الصغيرة مثل «القرش البامبو» و«قرش السجاد العربي».

الهدف هنا ليس فقط الإطعام، بل التعرف إلى هذه الأنواع عن قرب، لمسها برفق، ومراقبة ردود فعلها والتفاعل معها في بيئة تتيح للزائر أن يشعر وكأنه أحد أعضاء فريق الرعاية داخل «أكواريوم»، ولا تتطلب هذه التجربة أي مهارة غوص، وهي مناسبة للكبار والصغار على حد سواء، ما يجعلها خياراً مثالياً للعائلات التي تبحث عن مغامرة تعليمية مثيرة وآمنة.

عشاق الغوص

 

لأصحاب القلوب القوية وعشاق البحر والغوص، يوفّر «أكواريوم» تجربة غوص كاملة داخل الحوض الضخم. ويُمكن للزائر أن يرتدي عدة الغوص الكاملة ويغوص وسط العشرات من أسماك القرش والراي، تحت إشراف غواصين محترفين، هذه التجربة مخصصة لحاملي شهادات الغوص، لكنها تتيح أيضاً برنامجاً تعليمياً مبسطاً لمن لا يمتلكون تلك الشهادات، ليتمكنوا من خوض التجربة بعد تدريب قصير، أمّا التجربة الأكثر تخصصاً فهي ما يُعرف باسم Speciality Dive، التي تشمل ثلاث جلسات غوص تدريجية، إحداها تركز على تصوير أسماك القرش عن قرب، وأخرى تتيح للمشارك فرصة المشاركة الفعلية في عملية الإطعام.

رسالة بيئية

 1711571

بعيداً عن الإثارة والمغامرة، يحمل هذا المشروع رسالة واضحة تتجسد في توعية الزوّار بأهمية حماية الحياة البحرية، فالقرش الذي اعتدنا رؤيته في السينما كرمز للرعب، يُقدّم هنا ككائن حي مهم للتوازن البيئي، مهدد بالصيد الجائر، ويستحق أن نفهمه قبل أن نحكم عليه، ولا تقتصر التجربة على الترفيه، بل تتعمد أن تكون تعليمية، فكل لحظة يقضيها الزائر داخل «أكواريوم» تُبنى بعناية لزرع مفاهيم بيئية وإنسانية معاصرة، بأسلوب حديث وجذاب.

• داخل حجرة مائية مؤمّنة، ينزل الزائر تدريجياً إلى عمق يقارب أربعة أمتار، ليجد نفسه محاطاً بمئات الكائنات البحرية، وعلى رأسها أسماك القرش الرملي.

• تجربة إطعام أسماك القرش، واحدة من أكثر التجارب جذباً وتميزاً، وهي مصممة لتقريب الإنسان من مخلوق طالما ارتبط في أذهاننا بالخطر.

• 10 ملايين لتر من الماء في «أكواريوم دبي».

• 48 متراً طول النفق الزجاجي داخل «أكواريوم».

شاركها.