لسنوات طويلة، برز عدد واسع من كبار النجوم ومشاهير السينما العربية في تجارب فنية ناجحة، جمعت بين موهبة التمثيل والغناء، ليجسدوا علامة فارقة على الساحة الإبداعية، ويكرّسوا حالة فنية استثنائية حفرت في ذاكرة الجمهور العربي على امتداد السنوات الماضية، بما تفوقوا في تكريسه من بصمات فنية فريدة وتألق في خطوة التمثيل والغناء على حد سواء. والنماذج في هذا المجال كثيرة، أبرزها ملك العود الموسيقار فريد الأطرش، والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وصولاً إلى شادية وليلى مراد، وسعاد حسني وفؤاد المهندس، وعبدالمنعم مدبولي، ومحمود عبدالعزيز، وغيرهم كثيرون ممن استطاعوا ترك بصمات خالدة في الذاكرة.
وفي الاتجاه نفسه، انطلق عدد كبير من النجوم أخيراً، لمحاكاة هذه التجارب الثنائية، مجسدين واقعاً فنياً جديداً، لكن بقوالب مغايرة.. أهداف متنوعة وقدرات بدت متفاوتة، لإنجاح لعبة «النجومية الكاسحة» التي تجمع بين المواهب الغنائية، والإمكانات الأدائية.
حمّى «التريندات»
على الرغم من افتقار كثير من النماذج التي بادرت بطرح أسمائها في مجالي الغناء والتمثيل للإمكانات والمهارات الصوتية التي لطالما كانت أحد مقومات نجاح «الكبار» في الماضي، فإن الساحة الفنية الحالية مازالت تشهد سباقاً محموماً بين نجوم السينما على صدارة مشهد الشهرة، إما عبر تقديم أغنيات منفردة، أو عبر طرح أغنيات مصورة هي مجرد محاولات فنية للهواة، بما تطرحه من رؤى فنية متفاوتة الجودة والمضمون، اعتبرها كثيرون ضرباً من «التمارين الفنية الجديدة» التي يختبرون بها قدراتهم على خوض تجارب جديدة «مجزية» تنال اهتمام جمهورهم، فيما رآها آخرون ضرباً من «العطش المادي» الذي تضمنه عوائد سباقات «التريندات» على وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى وجهة نظر أخيرة اعتبرتها موضة زائلة، تعكس «إفلاس» كثير من النجوم، وبحثهم المستميت على منصة «مغايرة» يسوّقون فيها أنفسهم مجدداً على الساحة.
مزيج من النجاحات
من بين أبرز التجارب في المجال، تجربة محمد رمضان الذي يُعد من أبرز النجوم الذين جمعوا بين التمثيل والغناء، بما حققه من شهرة كبيرة من خلال أدواره التمثيلية في السينما والتلفزيون، ومفاجأته الجمهور بدخول عالم الغناء من بوابة أغنيته الشهيرة «نمبر وان» في عام 2018. وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرّض لها بشأن أدائه الغنائي، فإن رمضان واصل مسيرته محققاً جماهيرية واسعة في كلا المجالين، بما لمسه الجمهور فيه من تميز وحضور قوي.
من جهته، أثبت النجم تامر حسني الذي بدأ مسيرته الفنية في مجال الغناء، تميزه في مجال التمثيل وخصوصاً الكوميديا، من خلال فيلم «سيد العاطفي» ليستمر في تقديم أعمال ناجحة مثل «عمر وسلمى» بأجزائه الثلاثة، و«نور عيني»، و«حالة حب»، و«تصبح على خير»، و«مش أنا»، وغيرها من الأدوار المتنوعة التي أسهمت في تكريس شهرته، ما جعله واحداً من النجوم القلائل الذين استطاعوا النجاح في كلا المجالين بشكل متوازن ومستمر.
وبعد محطات ناجحة في مجال التمثيل، دخلت آيتن عامر ساحة الغناء، لتلفت إليها الأنظار، مستمرة في طرح سلسلة من الأغاني الناجحة، منها أغنية «بناقص»، و«توتا فروتا»، و«إكشف» و«مثيرة للجدل» و«خير عملت»، وصولاً إلى أغنية «إفراج» التي حصدت ملايين المشاهدات.
محاولات ولكن..
وبعد طرحها أخيراً أغنية «ليك»، أعلنت الفنانة رانيا يوسف، استعدادها لطرح عمل غنائي جديد، تكرّس من خلاله حضورها مجدداً على الساحة، وذلك بعد انسحاب طويل من ساحة الدراما المصرية، متحدّية موجة الانتقادات الواسعة التي طالت تجربتها الغنائية، والجدل الواسع الذي أثاره ظهورها في ثوب «المغنية الصاعدة».
كما طرح إعلان الفنانة غادة إبراهيم خوض تجربتها الأولى في عالم الغناء بأغنية «كريزماتك» التي من المقرر إصدارها قريباً، الكثير من الأسئلة حول مدى نجاحها في تجربة الغناء، الأمر الذي نفته، مؤكدة أنها ستحقق النجاح المنتظر، لأنها «صاحبة كاريزما»، حسب قولها.
وعلى الرغم من النجومية الكاسحة التي حققها النجم المصري حسن الرداد في السينما المصرية، وأخيراً في سباق الدراما الرمضانية، فإنه جازف بتجربة إطلالة جديدة ومغامرة فنية «غير محسوبة»، بدا فيها محاكياً لنمط محمد رمضان الفني في أغنيته الجديدة «أصيف».
بصمات في الغناء والتمثيل
تجارب عديدة أخرى برزت في الاتجاه المعاكس، منها تجربة شيرين عبدالوهاب التي تعد من أبرز النجمات اللواتي خضن عالم التمثيل من نافذة «ميدو مشاكل» في 2003، ثم مسلسل «طريقي» الذي حقق نجاحاً كبيراً وحصل على إشادة واسعة من النقاد، وجائزة أفضل مسلسل درامي في مهرجان الإذاعة والتلفزيون التونسي. وعلى الرغم من أن شيرين لم تواصل التمثيل، فإنها أثبتت قدرتها على إتقان أدوار درامية تتماشى مع شخصيتها الغنائية.
وفي السياق نفسه، تبرز تجارب أسماء فنية عديدة على الساحة، مثل الفنان مدحت صالح الذي سطع نجمه أخيراً في التمثيل في العديد من الأعمال الدرامية الناجحة، مثل مسلسل «وبينا معاد»، و«آدم وحياة»، و«أبوالعروسة»، وغيرها من التجارب الناجحة، وصولاً إلى نجم الغناء مصطفى قمر الذي يضم في رصيده اليوم سلسلة من النجاحات، سواء في الدراما أو السينما المصرية.
نظرة النقاد
رأى عدد من النقاد أن إحدى الظواهر الغنائية التي بدأت أخيراً في الازدياد، تعكس تحولات كبيرة في مفهوم «الفنان الشامل»، وذلك بعد أن أكدوا انفتاح السوق الفنية اليوم على أي شخص يرغب في تقديم أغنية، بغض النظر عن جودة الصوت أو مدى إلمامه بالموسيقى، مشيرين إلى افتقار أغلب هذه التجارب إلى العمق الفني، وعدم اهتمام كثير من أصحابها بشروط الجودة أو الفكرة الموسيقية، مقابل الرغبة في الظهور وتحقيق «التريندات».
• منافسة محمومة بين نجوم السينما في مجال الغناء، على الرغم من افتقار كثير من النماذج للإمكانات والمهارات الصوتية.
• بعضهم اعتبرها نوعاً من «التمارين الفنية»، وآخرون رأوها موضة زائلة تعكس «إفلاس» كثير من النجوم.