تكريما لإرث الروائية والكاتبة والناقدة الأدبية والأكاديمية المصرية الراحلة رضوى عاشور، أطلقت مؤسسة قطر وجامعة غرناطة جائزة رضوى عاشور للأدب العربي السنوية، التي ستمنح سنويا لكاتبين مميزين باللغة العربية.
وجرى إطلاق الجائزة يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2024 في المدرسة اليوسفية التاريخية في غرناطة، أثناء ملتقى شارك فيه زملاء عاشور وأصدقاؤها وطلابها السابقون.
وتخصص الجائزة للكتاب المبدعين باللغة العربية، تأكيدا على التزام مؤسسة قطر بدعم اللغة العربية وإرثها الثقافي.
وقالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة قطر الشيخة هند بنت حمد آل ثاني أنه “في أصعب لحظات التاريخ، وجدت الإنسانية ملاذها في الأدب كمرآة خالدة. فالأدب العظيم يتخطى كونه شكلا فنيا ليغدو ضروريا، كوعاء يحتضن الذاكرة والمقاومة والأمل”.
وأضافت “أعمال رضوى عاشور تتردد صداها عبر الحدود والأجيال. ومن خلال هذه الجائزة، نأمل أن نكرم ذكراها وندعم الأصوات الأدبية العربية الاستثنائية، لضمان استمرار لغتنا وثقافتنا وقصصنا في إلهام العالم وتنويره.”
وأُطلقت “جائزة رضوى عاشور” لتكون معتكفا أدبيا للكتابة والإقامة، وتُمنح سنويا لكاتبين مميزين في اللغة العربية، على أن يجري اختيار الكُتّاب بناء على الجدارة الأدبية لأعمالهم واستحقاق مشاريعهم الكتابية المقترحة. وتشرف على عملية الاختيار لجنة من المؤلفين والنقاد وأعلام الأدب العربي.
وتم تصميم جائزة رضوى عاشور للأدب العربي على شكل إقامة أدبية، حيث تُمنح سنويا لكاتبين مميزين باللغة العربية. ويتم اختيار الكتاب بناء على القيمة الأدبية لأعمالهم ووعد مشاريعهم الكتابية المقترحة. وستشرف لجنة متميزة من مؤلفين ونقاد وأكاديميين أدبيين من دائرة رضوى عاشور الأدبية على عملية الاختيار.
وقال أستاذ التاريخ الفني والمستعرب بجامعة غرناطة خوسيه ميغيل بويرتا فليشيت إن الجائزة تهدف إلى تشجيع الإبداع الأدبي باللغة العربية، “وهي لغة عالمية وواحدة من لغات إسبانيا، وتحمل اسم امرأة شجاعة كانت ملتزمة بالتدريس الجامعي والكتابة وإدانة الظلم والاضطهاد”
وأضاف المؤرخ الإسباني أن الكاتبة المصرية رضوى عاشور “استلهمت أيضا تاريخ مدينتنا غرناطة (ثلاثية غرناطة) لكتابة إحدى أكثر الروايات تأثيرا في الأدب العربي المعاصر، والتي تدعو لبناء عالم حر يقوم على الاعتراف المتبادل بين الثقافات”.
وتابع الأكاديمي بجامعة غرناطة للجزيرة نت قائلا “قمنا الآن بإعلان مشروع الجائزة، ولاحقا سنعلن الشروط وكل التفاصيل، الجائزة مخصصة لكاتبين بالعربية، وسنمنح لهما إقامة شهر بغرناطة للتركيز على معرفة المدينة وتنفيذ مشروع كتابة معينة، شعر أو نثر أو مقالة”.
سيُستضاف الكاتبان الفائزان في مدينة غرناطة بإسبانيا لمدة إقامة طويلة تتيح لهما وقتا غير منقطع للكتابة والبحث وتطوير إبداعهما. وخلال إقامتهما، سيشاركان أيضا في فعاليات ثقافية وأدبية محلية من خلال محاضرات وورش عمل وقراءات عامة، مما يعزز التبادل الثقافي والتعاون الإبداعي.
وأكد الشاعر تميم البرغوثي على القوة الدائمة للأدب قائلا “سنعيش رغم هذا الموت. تحاول الجيوش أن تحوِّل منازلنا إلى متاحف للموت، معروضاتها أجسادنا، لكن اللغة نثرا وشعرا والفن عموما يتحدونه لبدء عالم جديد”.
وتابع نجل الأديبة الراحلة قائلا “هذه ليست سوى خطوة صغيرة لمنح الكتّاب لحظة من السلام في حروبهم اليومية”.
من خلال هذه الجائزة، تؤكد مؤسسة قطر وجامعة غرناطة التزامهما بضمان استمرار إرث رضوى عاشور في إلهام الأجيال وتحقيق تأثير دائم عبر قوة الأدب العربي الخالدة.
المدرسة اليوسفية
وأقامت “المدرسة اليوسفية” التابعة لجامعة غرناطة، بالتعاون مع “مؤسّسة قطر”، حفل إطلاق “جائزة رضوى عاشور للأدب العربي” يوم الجمعة الماضي.
وأوضح ملف تعريفي بالجائزة أنه ليس من قبيل المصادفة أن يتم اختيار ذلك المكان الفريد لإعلان الجائزة، فالمدرسة اليوسفية، التي تقف شامخة بحضورها الذي يمتد لأكثر من 700 عام، شاهدة على عصر ذهبي كان فيه العلم والفن والإبداع زينة للحياة. ليس من قبيل المصادفة أن يتم اختيار هذا المكان الفريد لإطلاق جائزة رضوى عاشور، بل لأنه يحمل في طياته روح المعرفة والإبداع التي جسدتها الكاتبة الكبيرة رضوى عاشور في أعمالها.
تأسست المدرسة اليوسفية عام 1349 في عهد السلطان يوسف الأول، وتُعد واحدة من أقدم المؤسسات التعليمية النظامية في أوروبا، وربما تكون الأقدم على الإطلاق. بين جدرانها المزيّنة بآيات من القرآن الكريم، والزخارف الهندسية البديعة، والخط العربي الرائع، ازدهرت عقول العلماء والشعراء والأدباء.
لم تكن المدرسة مجرد مكان لتلقي العلوم، بل كانت منارة يتلاقى فيها الفكر والإبداع ليضيء غرناطة والعالم بأسره.
ولا تزال أصداء الحوارات الفلسفية وأبيات الشعر التي أُلقيت هنا تتردد في أرجاء المكان، حيث نُسجت المخطوطات بين أروقتها. ففي كل زاوية من المدرسة ينبض الشغف بالجمال والسعي نحو الحقيقة والسعي لتحقيق الكمال. إنها مكان يلهم النفوس، كالمياه التي لا تُنسى من نوافير غرناطة، لتذكرنا أن الفن والعلم هما جوهر الخلود.
وتجد “جائزة رضوى عاشور” في المدرسة اليوسفية بيتها الأمثل. لا يمكن أن يكون هناك مكان أكثر ملاءمة لتكريم إرث الكاتبة التي جعلت من أعمالها نشيدا للذاكرة والمقاومة وجمال الإنسان. ففي المدرسة اليوسفية، لربما وجدت رضوى عاشور ما يُشبه روحها: مكانا لا يُكتفى فيه بالتأمل في الفن، بل يُعاش، مكانا لا يُنقل فيه العلم فقط، بل يُتقاسم، حيث للكلمات قوة تُغيّر العالم.
إن اختيار المدرسة اليوسفية لإطلاق هذه الجائزة هو اعتراف وامتنان للأجيال التي، مثل رضوى عاشور، فهمت أن الفن والعلم هما أساس الحضارة. هنا، في هذا المكان العريق والتاريخي بجماله الذي لا يُضاهى، يُفتح باب جديد للإبداع باللغة العربية، صفحة تُكرم الماضي بينما تُكتب المستقبل، كما يقول القائمون على الجائزة.
سيرة أديبة عربية
وخلدت الكاتبة والروائية المصرية الراحلة رضوى عاشور اسمها في تاريخ الأدب العربي كإحدى أبرز الروائيات والناقدات في القرن الـ20. ولدت رضوى في القاهرة عام 1946، وتخرجت في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1967، لتكمل دراساتها العليا وتحصل على الماجستير عام 1972. وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب الأفريقي الأميركي من جامعة ماساتشوستس بالولايات المتحدة عام 1975، حيث كانت دراستها من أوائل الدراسات التي تناولت النقد الأدبي لما بعد الاستعمار.
بأعمالها الأدبية الثرية، نسجت رضوى عاشور تجربة إبداعية استثنائية، جعلت منها رمزا أدبيا ومعرفيا لا يمكن تجاوزه. وشكلت روايتها الملحمية “ثلاثية غرناطة” (غرناطة، مريمة، الرحيل) حجر الأساس في توثيق الوعي الجمعي العربي بأندلس القرن الـ15 والـ16، فأعادت عبر السرد التاريخي إحياء مآسي التهجير والانهيار العربي في ذلك الزمن. أما روايتها “الطنطورية”، فقد كانت صرخة مدوية تُجسّد النكبة الفلسطينية وتُوثق آلام الشتات، ليصبح هذا العمل مرجعا أدبيا لأدب النكبة العربي.
وتنوعت إسهامات رضوى الأدبية بين الروايات والسير الذاتية والنقد الأدبي. فقد دونت سيرتها الذاتية في كتبها “الرحلة” و”أثقل من رضوى”و”الصرخة”، وصدرت لها مجموعتان قصصيتان هما “رأيت النخل” و”تقارير السيدة راء”. كما تركت بصمتها في عالم الرواية بـ8 روايات خالدة، منها “حجر دافئ”، “خديجة وسوسن”، “سرايا”، “أطياف”، “قطعة من أوروبا”، إضافة إلى أعمالها الملحمية الكبرى “ثلاثية غرناطة” و”الطنطورية”.
وفي النقد الأدبي، أبدعت رضوى في إصداراتها مثل “الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفاني” و”جبران وبليك” (دراسة نقدية) و”التابع ينهض: الرواية في غرب إفريقيا”، إضافة إلى كتبها “صيادو الذاكرة والحداثة الممكنة” و”الساق على الساق”. وامتد تأثيرها النقدي ليُصبح منارة لفهم الأدب ما بعد الاستعمار والنضال ضد الظلم.
ولم يقتصر دور رضوى عاشور على الأدب فقط، بل كانت مناضلة سياسية مؤمنة بقضايا الحرية والعدالة. ورفضت التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ودعمت القضية الفلسطينية طوال حياتها. إذ كانت زوجة للشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، وواجهت معه النفي عندما رحّلته السلطات المصرية في عام 1977 بسبب آرائه السياسية. وشكلت هذه العلاقة أسطورة حب نضالية وأدبية.
وعملت رضوى أستاذة للأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس لأكثر من 40 عاما، تولت خلالها رئاسة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها، وكانت مقررة للجنة العلمية لترقية الأساتذة. وتركت أثرا عميقا في نفوس تلاميذها وقرائها، حيث جمعت بين دور الأستاذة الملهمة والأديبة التي أضاءت الطريق لجيل جديد من الكُتّاب والمبدعين.
حصدت رضوى عاشور العديد من الجوائز المرموقة تقديرا لإسهاماتها الأدبية، منها جائزة أفضل كتاب لعام 1995 عن الجزء الأول من “ثلاثية غرناطة”، والجائزة الأولى في المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عام 1995. كما كرمتها جائزة كفافي للأدب الدولي من اليونان عام 2007، وجائزة كارداريللي للنقد الأدبي من إيطاليا عام 2009، إلى جانب تكريمها في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2003.