كابل– تتألف أفغانستان من فسيفساء من القوميات والأصول كانت ولا تزال ملتقى لحضارات مختلفة ومزيج من الفارسية والمغولية والآرية. ويشكّل الإسلام السني المذهب الرئيس للدولة، إضافة لأقليات دينية مختلفة كالشيعة الجعفرية والسيخ والهندوس وأيضا “الأقلية الإسماعيلية”.
فيض الله بيك، هو مدير متقاعد لإحدى المدارس الثانوية في مديرية شغنان في ولاية بدخشان ذات الأغلبية الإسماعيلية، حدثنا عن تاريخ هذه الأقلية، فقال “على الرغم من الفقر وقلة ذات اليد بين سكان شغنان من الأقلية الإسماعيلية، فإن معظمهم من المتعلمين، فهم يولون أهمية كبرى للعلم، وفي سنوات الحرب الأهلية نأى سكان هذه المنطقة بأنفسهم عن الحرب ولم يكونوا طرفا فيها، فكانت منطقتهم من أكثر المناطق أمنا”.
“وقد تم بناء أكثر من 18 مدرسة ثانوية في هذه المديرية في الوقت الذي لم يكن يوجد فيه أكثر من مدرسة واحدة أو اثنتين في المديريات المجاورة لها، إضافة لذلك فإن أفراد هذه الأقلية يمتازون بإعطاء حرية أكبر للفتيات للتعلم والعمل عن غيرهم من الأفغان”.
علم بارز
أما عن انتشار المذهب الإسماعيلي في ولاية بدخشان في العصر الحديث، فيحدثنا فيض الله بيك قائلا “لجأ ناصر خسرو، الرحالة والعالم والشاعر الإسماعيلي الشهير، إلى منطقة يمغان في بدخشان فرارا من الاضطهاد. ولجأ إلى هذه المنطقة الوعرة في أعالي جبال هندكوش بمنطقة تقع حاليا بالقرب من حدود أفغانستان وباكستان وطاجيكستان، وبدأ دعوته فانتشر المذهب في هذه المناطق، ولا يزال قبره في مديرية يمغان في بدخشان علما تاريخيا بارزا”.
ويتبع إسماعيليو أفغانستان لأمير الفرقة في العالم آغا خان الرابع. وفي ولاية بغلان القريبة، وبالأخص في وادي كيان، يعيش ثاني أكبر تجمع للإسماعيليين في أفغانستان، ومنها الممثل الشخصي لأمير الإسماعيليين في العالم وهو سيد منصور نادري، وفي كل مدينة يوجَد فيها أعضاء من هذه الأقلية يتم اختيار ممثل شخصي ديني يطلق عليه محليا “الشاه”.
عاداتهم
ينتشر أفراد الأقلية الإسماعيلية في أفغانستان في ولايات بدخشان وبغلان وباميان وكابل وقندهار وغيرها. وبخلاف الإسماعيليين في ولاية بدخشان من قومية الطاجيك فباقي أعضاء هذه الأقلية هم من “قومية الهزارة”، وبعضهم من السادات، ويشكلون قرابة 3% من سكان أفغانستان بحسب التقديرات.
أما عن عاداتهم وتقاليدهم، فيخبرنا فيض الله أن “أهم ما يميز أقليتنا، كحال باقي الأفغان، هو كرم الضيافة، وفي المناطق التي يعيش فيها الإسماعيليون فإن هناك عرفا يوجب على صاحب أي بيت يقع في طريق المسافرين بمجرد أن يصل أي مسافر إلى أعتاب بيته أن يقدم له المأوى والطعام”.
ومعظم المدن التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية في ولاية بدخشان مثل شغنان واشكاشم وممر واخان هي محطات أساسية على طريق الحرير التاريخي. ومن هنا مرّت قوافل التجارة قديما من الصين إلى وسط آسيا ومنها إلى أوروبا، لذلك فإن سكان هذه المنطقة الذين حافظوا على أمن هذه الطرق عبر التاريخ، لا يزالون يفتخرون بأنه لا يوجد أي فندق في قراهم وأن واجبهم هو تقديم المأوى والطعام والشراب للمسافرين العابرين.
ويضيف فيض الله “في كل قرية من قرانا يتوجب على مختار القرية أن يؤمّن المسافرين، وحين يصل مسافر للقرية وبعد أن يتم تقديم واجب الضيافة له، يرسل المختار حصانين مع شخصين من المنطقة لمرافقة المسافر إلى أن يصل حدود القرية التالية، فيستلم هذه المهمة مختار القرية الأخرى وهكذا إلى أن يصل المسافر إلى وجهته”.
![الإسماعيلية في أفغانستان.. أهل الضيافة على طريق الحرير 20 Afghan ethnic Hazara girl carries dishes washed in murky water canal. Recent ongoing droughts decrease the water availability which increases girls' workload as primary collectors of water.01.05.2019](https://khaleejtopics.com/wp-content/uploads/2025/02/adwfdva-1739012545.jpg)
المرأة الإسماعيلية
حين تتجول في إحدى القرى التي يعيش فيها أفراد هذه الأقلية سيلفت نظرك مدى الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها النساء، على عكس معظم المناطق الريفية في أفغانستان، فالنساء لا يغطين وجوههن ويعملن جنبا إلى جنب مع الرجال في الزراعة وتربية المواشي وغيرها من الأعمال.
قابلنا منيجة، وهي شابة تعيش في شغنان، وسألناها عن طبيعة حياة المرأة هنا، فقالت “نحن ننعم بحرية أكبر مما يتوفر لغيرنا من النساء الأفغانيات، ولا يفرض علينا الحجاب أو البقاء في البيت..”.
نشأت هذه الشابة، كما قالت، حيث كانت والدتها وجدتها ومعظم نساء القرية يعملن كالرجال خارج البيت، ويُسمح للفتيات بإكمال تعليمهن وبينهن نسبة عالية من الفتيات المتعلمات.
أما عن عاداتهم في أعيادهم ومناسباتهم، فتقول إن أهم مناسبة لدينا هي “عيد النوروز”، ويصادف اليوم الأول من “شهر حمل” بحسب التوقيت الشمسي الهجري، حيث يتساوى الليل والنهار وينتهي فصل الشتاء ويبدأ فصل الربيع.
“ولدينا طقوس خاصة لهذا العيد، حيث نقوم بتنظيف البيت وتبييضه ونصنع حلوى “السمنك” وتصنع من القمح بعد إنباته لمدة 40 يوما، وكذلك نصنع طعاما خاصا يسمى (دلده) وهو عبارة عن قمح ولحم يطبخ لمدة طويلة، فيصبح شبيها بالعصيدة”.
أما عن عاداتهم في الزفاف، فتخبرنا قائلة “نمتاز عن غيرنا من الأفغان بأن الفتاة لها الحق في اختيار الزوج، إضافة لذلك فإننا لا نبالغ في قيمة المهر وتتم المراسم بصورة بسيطة، ويقوم رجل الدين المحلي وهو ممثل الآغا خان شخصيا بعقد القران”.
ويذهب الزوج رفقة أقاربه وأصدقائه لإحضار العروس من بيت والدها. وحينها يقف أحد أقارب العروس أمام باب البيت ويمنعهم من الدخول إلى أن يرضوه بهدية خاصة، فيسمح لهم بالدخول. وتُغطى العروس بـ7 أوشحة كرمز للعفة والحياء، وتنشد النساء بعض الأشعار الشعبية مع ضرب الدفوف.
![الإسماعيلية في أفغانستان.. أهل الضيافة على طريق الحرير 21 shepherds and flock of sheep in the dust, Baluchistan, Pakistan](https://khaleejtopics.com/wp-content/uploads/2025/02/asdsdda1-1739012610.jpg)
السوق المشتركة
أما عن مصدر عيش أفراد هذه الأقلية، فيقول مير مختار، وهو تاجر محلي في المنطقة، إن السكان يعتمدون على عدة موارد للعيش أهمها الزراعة وتربية الماشية. “وتشتهر منطقتنا بالصناعات اليدوية التي تقوم بها النساء كحياكة البسط والملابس والمطرزات”.
وحسب مير مختار، تم في السنوات الأخيرة افتتاح سوق مشتركة مع دولة طاجيكستان، وهي سوق أسبوعية حيث يذهب التجار في اليوم المحدد من كل أسبوع ببضائعهم ويعرضونها في المنطقة الخاصة على الحدود بين البلدين.
ويشارك في هذا البازار تجار من دولة طاجيكستان وأفغانستان، حيث يقول مختار “هذه السوق ساعدتنا كثيرا في تنمية اقتصادنا المحلي، كما أنه في شهور الشتاء الباردة وحين تغلق الثلوج الطرق الموصلة إلى كابل، فإننا نحصل على ما نحتاجه من بضائع من هذه السوق الذي يشارك فيها الرجال والنساء على السواء، حيث تعرض النساء من البلدين صناعاتهن اليدوية من مطرزات وبسط وملابس وغيرها”.
مؤسسات الآغا خان
على مدى سنوات قدمت المؤسسات الخيرية التابعة لأمير الفرقة الإسماعيلية في العالم آغا خان الرابع، خدماتها في مدن وقرى أفغانستان، لا سيما المناطق التي تقطنها هذه الأقلية مثل بدخشان وتخار وبغلان وغيرها، وتشمل هذه الخدمات الرعاية الطبية والتعليمية والتنموية، وهي توفر فرص عمل للكثيرين من أبناء هذه الأقلية إضافة لخدمات مجانية للسكان.