على عكس بعض قراء «فايننشال تايمز»، يقودني قدري إلى استخدام الطيران التجاري، وغالباً ما أكون في الجزء الخلفي من الطائرة؛ لذا فأنا معتاد على تصاعد التوتر الذي ينشأ عند إعلان الطاقم بداية الصعود إلى الطائرة. سيكون قد تشكّل بالفعل طابور من المسافرين الذين يتنافسون على الصعود على متن الطائرة بسرعة، لتبدأ بعدها لعبة الأمتعة.

أولاً: يصطف المسافرون داخل الممر المؤدي إلى الطائرة، أو يحتشدون في الحافلة التي تقلهم إليها. يتبع ذلك تدافع بطول الممر داخل الطائرة، للمرور بين مسافرين يضعون أمتعتهم في أماكن التخزين العلوية، حتى الوصول إلى الصف الصحيح، ومن ثم التلويح للروح عاثرة الحظ الجالسة في المقعد الأوسط لإفساح المجال. وعند جلوسي، أخيراً، في المقعد الملاصق للنافذة، أرقب، في سلام، المشاحنات التي تنشأ بين المسافرين.

لقد بدت شركة «يونايتد إيرلاينز» متفائلة هذا الأسبوع مع كشفها عن الطريقة الجديدة التي ستستعين بها عند صعود المسافرين على متن الطائرات اعتباراً من 26 أكتوبر، في محاولة لتقليل التأخير، فعوضاً عن شغل الدرجة الاقتصادية صفاً تلو الآخر، ستولي الشركة الأولوية للأشخاص الذين حجزوا مقاعد ملاصقة للنافذة، يتبعهم أصحاب المقاعد الوسطى، ثم شاغلو المقاعد على الممر. تأمل الشركة في خفض متوسط الوقت المخصص للصعود على متن الطائرة بمنع الركاب من الوقوف في طريق بعضهم بعضاً.

يُعرف هذا بالكلمة المُختصرة بالإنجليزية «ويلما»، التي تعني «النافذة، ثم الوسط، فالممر»، وتستخدم شركات طيران أخرى نسخاً منها بالفعل، بما فيها «لوفتهانزا»، فقد عملت عقول نيّرة على إيجاد حل لمشكلة كيفية حشد المسافرين في أنبوب صغير بأكبر سرعة ممكنة، وكانت «ويلما» من بين الحلول. وهناك طريقة أخرى تُدعى «الهرم المعكوس»، وطريقة «ستيفن» للصعود إلى الطائرة، التي سُميّت تيمناً بعالم الفيزياء الفلكية الذي تفتق ذهنه عنها. لكن لا تفرطوا في الحماسة، أيها الركاب، فالدقيقتان التي تعتقد «يونايتد» أنها ستختصرهما بواسطة «ويلما» ستعيدها فقط إلى مستوى أدائها الذي شهدته في 2019، فالواقع لا يتمّثل فحسب في أن أوقات الصعود إلى الطائرة ظلت تتزايد باستمرار طيلة نصف قرن، بل أيضاً في أن شركات الطيران تبنت سياسات فاقمت من سوئها. فقط تتبعوا المال، وسيرشدكم إلى الرجل الذي يعيق الممر عند الصف 22.

وبخلاف إجبار عدد كبير من الأشخاص على السير بطول ممر ضيق إلى صفوف من المقاعد المصفوفة بإحكام ولا تتيح المرور بسهولة، تكمن المشكلة فعلياً في الأمتعة. كان من الممكن أن تسير الأمور على نحو أسرع لولا حقيقة أن الركاب يحتاجون بالضرورة إلى الوقوف في الممرات لتخزين حقائبهم المحمولة. لقد توصلت دراسة إلى أن الصعود على متن الطائرة يستغرق وقتاً أطول بنسبة 60% إذا اصطحب كل مسافر حقيبتين معه بدلاً من عدم اصطحابه أية أمتعة.

ويمكن تجاوز هذا المازق، نظرياً، بملء الطائرة وفق صيغة ابتكرها جيسون ستيفن، الأستاذ بجامعة نيفادا، الذي يشير موقعه الإلكتروني إلى أنه عمل على «الجاذبية، والفيزياء الفلكية للجسيمات والمادة المظلمة، والطاقة المظلمة، وصعود المسافرين على متن الطائرات».

تنطوى طريقة ستيفن، المعروفة أيضاً باسم «ستيفن بيرفكت»، على صعود المسافرين إلى الطائرة في مجموعات صغيرة، بحيث يجلسون في مقاعد يفصل بينها صفان. من شأن هذا أن يتيح لهم وضع الأمتعة بأماكن التخزين العلوية في وقت واحد قبل جلوسهم في المقاعد، ثم يأتي دور المجموعة الصغيرة التالية. ويمكن لهذه الطريقة أن تؤتي ثمارها إذا أطاع الجميع مجموعة من التعليمات المُعقّدة بدقة عسكرية، بيد أنني نادراً ما أفعل ذلك.

وبجانب مشكلات تجاهل الأشخاص لمقاعدهم المحددة أو الاندفاع متأخرين صوب البوابة، ثمة مشكلة إضافية، هي أولوية الصعود إلى الطائرة. سيكون من المفيد لوجستياً لو صُرفت التذاكر على نحو ديمقراطي مثالي وكان تخصيص المقاعد عشوائياً، فيُستدعى المسافرون إلى الصعود على متن الطائرة وفق مبادئ علمية صارمة، لكن هذا بعيد تمام البُعد عن واقع السواد الأعظم من شركات الطيران.

حتى إن شركة «يونايتد» تتبنى طريقة «ويلما» مُعدّلة، إذ يحل ركابها المحظوظون، وعائلاتهم، الذين حجزوا مقاعد متاخمة للنافذة في المجموعة الثالثة. ولن يحل دورهم بعد ركاب الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال فحسب، بل أيضاً بعد حاملي البطاقات البلاتينية والذهبية والفضية، بجانب حاملي بطاقات مصرف «تشيس»، وبطاقات «دولية محددة»، والمستفيدين من ميزة «بريميير أكسيس» المدفوعة؛ بذلك تتضح لكم الفكرة العامة.

لا يحط هذا من قدر «ويلما»، فهي أفضل من السماح للمسافرين بالصعود إلى الطائرة في مجموعات من الصفوف تبدأ من الجزء الخلفي، وهو ما يبدو معقولاً، لكن ستيفن رأى أنها أسوأ طريقة، بعد السماح للمسافرين بملء مقاعدهم من الأمام إلى الخلف. ويقول خبراء إنه يمكن إدخال تحسينات على «ويلما» عن طريق الهرم المعكوس، من خلال ملء الدرجة الاقتصادية بداية من المقاعد المتاخمة للنوافذ، ثم المقاعد الداخلية، انطلاقاً من الجزء الخلفي من الطائرة. لكن أفضل الخطط الموضوعة تتعارض مع «الصعود السريع على متن الطائرة»، وهو ما تطلقه شركة «إيزي جيت» بتفاؤل على نسختها الخاصة من أولوية الصعود على الطائرة، لكنك تعرقل سير الأمور عند بيعك الحق في شغل المقعد على الممر وفرصة ملء صندوق الأمتعة أعلى الرأس بالحقائب قبل وصول الآخرين. سيهرول المسافرون بعد فترة وجيزة داخل الممر بحثاً عن مساحة؛ وبذلك سيعيقون الآخرين.

وبينما يُعد وضع الأمتعة كلها في مساحات الأمتعة أسرع، فإن شركات الطيران تفرض رسوماً على هذا أيضاً. وقد ذكر جون ميلني، الأستاذ في جامعة «كلاركسون»، أن الرغبة العملياتية لشركات الطيران بتسريع وتيرة صعود المسافرين على متن الطائرات والحافز المادي للركاب الأكثر ولاءً «تدفعها في اتجاهين مختلفين». يكون الربح هو الفائز بصفة عامة في صناعة تتسم بهامش منخفض وتعتمد على رسوم الحقائب والصعود على الطائرة.

يمكن إلقاء اللوم في ذلك على شركات الطيران، أو مسافريها الذين وقعوا في فخ استراتيجية تسعير «المقاعد الرخيصة بإضافات مكلفة». في كلتا الحالتين، فإن آفاق تسريع «يونايتد» ومنافسيها لعملية صعود المسافرين على متن الطائرات وجعلها أقل إزعاجاً ستكون محدودة للغاية، طالما ظل نموذج الأعمال قائماً. وحتى ذلك الحين، اصطفوا عند البوابة، وأنصتوا بحرص للتنبيهات، وتأهبوا للمتاعب.

شاركها.