لم تكد تهنأ منصات المشاهدة عند الطلب مثل «نتفلكس» و«أمازون برايم» و«ديزني بلس» باحتلال مكانة القنوات التلفزيونية التقليدية في السنوات الأخيرة، حتى باتت مهددة بخسارة تلك المكانة سريعاً أمام منافس جديد، تمدد نفوذه من عالم الهواتف إلى شاشات التلفزيون ونجومه الهواة يهددون نجوم هوليوود المحترفين.
فوفقاً لتقرير شركة «نيلسن» نشرته «ذي إيكونوميست»، تجذب منصة يوتيوب 2.5 مليار مشاهد عالمياً، ويفضل الأمريكيون مشاهدة يوتيوب على شاشات التلفزيون أكثر من أي منصة تلفزيونية أخرى، أي أن يوتيوب بات يتفوق المنصات التلفزيونية على ملعبها وفي عقر داره، حتى أن نيل موهان الرئيس التنفيذي ليوتيوب وصف صناع المحتوى في أمريكا بأنهم «هوليوود الجديدة»، وذلك في ظل توجه المعلنين إلى يوتيوب والمنصات المشابهة التي تعتمد على محتوى المستخدمين، وضخ معظم ميزانياتهم التلفزيونية فيها.
إيرادات يوتيوب
وبلغت إيرادات يوتيوب العام الماضي حوالي 32 مليار دولار، أغلبها من مبيعات الإعلانات التي تعد المصدر الرئيسي لعوائد المنصة العالمية، يليها اشتراكات الخدمة المميزة Youtube Premium، والتي تدر ما يقرب من مليار ونصف دولار شهرياً.
ويعد جيمي دونالدسون المعروف باسم «مستر بيست» هو صاحب أكبر قناة على يوتيوب من حيث عدد المشتركين، حيث يملك أكثر من 317 مليون مشترك، ووفق تقرير لموقع ذي إيكونوميك تايمز، تتراوح عوائده بين 500 إلى 700 مليون دولار سنوياً، ليكون صاحب العوائد الأعلى عالمياً من بين صناع المحتوى، فيما جمع الممثل الأمريكي آدم ساندلر صاحب الدخل الأعلى بين نجوم هوليوود 78 مليون دولار في 2023.
مؤخراً قرر «مستر بيست» الخروج من عباءة اليوتيوب واقتحام عالم هوليوود، من خلال برنامج مسابقات تابع لمنصة أمازون برايم، لكن البرنامج عانى من الفضائح، ولاحقته الدعاوى القضائية أكثر من المشاهدات.
لم يكن «مستر بيست» وحده الذي عانى من صدمة الانتقال إلى هوليوود، فهناك اليوتيوبر «ريان كاجي»، البالغ من العمر 12 عاماً، والذي اقتحم عالم السينما من خلال فيلم حقق فشلاً ذريعاً في دور العرض. كذلك عائلة «داميليوس» المشهورة على «تيك توك»، التي ألغت منصة ديزني بلس برنامجها الواقعي في يونيو الماضي.
صناع المحتوى الهواة ونجوم هوليوود
أظهرت أغلب التجارب حتى الآن أن مازال هناك فجوة بين صناع المحتوى الهواة على المنصات الاجتماعية وبين العالم الاحترافي لهوليوود، لكن هذه الفجوة تتقلص بشكل لافت.
وفي بريطانيا وحدها، تقدّر التقارير عدد «اليوتيوبرز» الذين يقومون بتوظيف آخرين للعمل على قنواتهم بأكثر من 15 ألفاً، إضافة إلى المعدات المتطورة، مثل الكاميرات فائقة الدقة 4K والمسيّرات وأدوات الذكاء الاصطناعي، والتي ساعدت على ظهور محتوى الصناع الهواة بمظهر أقرب للمحترفين.
وإذا كانت عوائد صناع المحتوى الهواة على المنصات الاجتماعية في تزايد مستمر وربما تهدد أرباح صناعة الترفيه في هوليوود وبقية أنحاء العالم، فعلى الجانب الآخر تضاعفت التكاليف بشكل هائل كلما بحث الهواة عن محتوى أكثر احترافية.
ويقول جوردان شوارزنبرغر مدير مجموعة «سيدمين» المكونة من 7 صناع محتوى بريطانيين أن ميزانية إنتاج حلقة واحدة مدتها من ساعة إلى ساعتين على يوتيوب تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات، مضيفاً أن تصوير 3 حلقات فقط في أمريكا تكلف الملايين، مشيرا إلى أن فريق العمل يتجاوز 40 شخصاً، من مصممي الديكور إلى مصممي الصور إلى غيرهم من الموظفين الذي يعملون من ستوديو في هوكستون بلندن.
يوتيوب ضد نتفلكس
أما على مستوى المنصات الكبرى، فقد دفعت يوتيوب خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يقرب من 23 مليار دولار سنوياً لصناع المحتوى على منصتها، وهو ما يفوق ما يُتوقع أن تنفقه «نتفلكس» هذا العام على إنتاجها السينمائي والتلفزيوني بـ6 مليارات دولار دفعة واحدة، وهذا يرجع إلى نموذج أعمال يوتيوب الذي يشارك العوائد مع صناع المحتوى.
وبالنظر إلى أن عوائد نتفلكس العام الماضي بلغت 33.7 مليار دولار، حققت المنصة أرباحاً قدرها 5.4 مليار دولار. وللأسف لا يمكننا مقارنة أرباحها مع يوتيوب، نظراً لأن غوغل لا تعلن أرباح يوتيوب بشكل منفصل، ولكن مع تقارب العوائد وزيادة الإنفاق، يمكن توقع أرباحاً أقل لمنصة صناع المحتوى، التي يعتبرها الكثيرون منهم المنصة الأكثر توزيعاً للعوائد.
مازال نجوم اليوتيوب بعيدين عن شهرة وثراء نجوم هوليوود، لكن هل سيستمر هذا الوضع في زمن تبدو الأفضلية فيه لمنصات صناع المحتوى؟.. لننتظر ونرى!