عتبة مهمة تجاوزتها مؤخراً قضية الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، القائم على إتاحة العمليات الداخلية لنماذج الذكاء الاصطناعي علناً لأي شخص بغرض التدقيق والاستخدام والتعديل.
وأعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، الأسبوع الماضي، أن أحدث إصدار من نماذج لاما مفتوحة المصدر الذي تنتجه شركته قد وصل إلى مستوى تقني متقدم للغاية، ما يضعه على قدم المساواة مع أحدث وأقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركات مثل «أوبن إيه آي» و«غوغل» و«أنثروبيك».
ووفقاً لزوكربيرغ، من المتوقع أن تتجاوز نماذج لاما المستقبلية هذه النماذج الأخرى لتصبح الأكثر تقدماً في العالم اعتباراً من العام المقبل.
وسواء حدث ذلك أم لم يحدث، فقد برزت الآثار الإيجابية والسلبية المترتبة على فتح هذه التكنولوجيا القوية للاستخدام العام بشكل واضح.
وتمثل نماذج مثل «لاما» أفضل أمل لمنع احتكار مجموعة صغيرة من شركات التكنولوجيا العملاقة للذكاء الاصطناعي المتقدم، ومع ذلك، قد تؤدي أيضاً إلى وقوع هذه التكنولوجيا القوية في أيدي مروجي المعلومات المضللة.
وإذا كان أي شخص في واشنطن يفكر في تحدي الانتشار المفتوح للذكاء الاصطناعي المتقدم، فربما يكون الآن هو الوقت المناسب للقيام بذلك.
وكان ظهور «ميتا» كبطل رئيسي للبرمجيات مفتوحة المصدر في عالم الذكاء الاصطناعي أمراً غير متوقع.
ففي وقت مبكر، غيرت الشركة المعروفة سابقاً باسم «فيسبوك» مسارها من كونها شركة لمنصة مفتوحة، يمكن لأي مطور بناء الخدمات عليها، إلى واحدة من أكثر المنصات انغلاقاً على الإنترنت؛ كما أن الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر من «ميتا» ليس مفتوح المصدر بالكامل.
ولم يتم إصدار نموذج لاما بموجب ترخيص معترف به من قبل مبادرة البرمجيات المفتوحة، وتحتفظ ميتا بالحق في منع الشركات الكبرى الأخرى من استخدام تقنيتها.
ولكن نماذج اللاما تلبي العديد من اختبارات الانفتاح ــ فمعظم الناس يستطيعون فحص أو تكييف «الأوزان» التي تحدد كيفية عملها ــ ويبدو أن زعم زوكربيرغ أنه تحول إلى المصدر المفتوح بدافع من المصلحة الذاتية المستنيرة يبدو كأنه حقيقة.
وعلى النقيض من «غوغل» أو «مايكروسوفت»، لا يعتمد عمل «ميتا» على بيع الوصول المباشر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي، وستجد صعوبة في المنافسة المباشرة في هذه التكنولوجيا، ومع ذلك، فإن اعتمادها على منصات التكنولوجيا الخاصة بشركات أخرى قد يكون محفوفاً بالمخاطر، مثل تجربتها المريرة في عالم الهواتف الذكية، عندما غيرت «أبل» قواعد خصوصية الآيفون بطرق دمرت أعمال «ميتا».
إذاً البديل هو رعاية بديل مفتوح المصدر يمكن أن يحظى بدعم أوسع في صناعة التكنولوجيا، وهي استراتيجية مألوفة. وتشير قائمة الشركات التي اصطفت وراء أحدث نماذج لاما هذا الأسبوع إلى أن جعل لاما ذكاء اصطناعياً مفتوح المصدر بدأ في إحداث تأثير.
وتشمل هذه الشركات أمازون ومايكروسوفت وغوغل، التي تقدم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي من خلال خدماتها السحابية.
وبقوله أن المصدر المفتوح أكثر أماناً من البديل التقليدي المملوك من نواح كثيرة، يكون زوكربيرغ قد استغل قوة كبيرة، فكثير من المستخدمين يريدون رؤية ما يحدث داخل التكنولوجيا التي يعتمدون عليها، وكثير من برمجيات البنية التحتية الأساسية في العالم مفتوحة المصدر.
على حد تعبير خبير أمن الكمبيوتر بروس شناير: «الانفتاح يساوي الأمن. لكن عمالقة التكنولوجيا هم فقط الذين يريدون إقناعك بعكس ذلك».
رغم ذلك، ورغم جميع مزايا نهج المصادر المفتوحة، فهل من الخطر للغاية إطلاق ذكاء اصطناعي قوي بهذا الشكل؟
يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة ميتا أن الاعتقاد بأنه يمكن حماية التكنولوجيا الأكثر قيمة من الدول المنافسة هو اعتقاد خاطئ. فالصين، كما يقول، ستحصل على الأسرار بغض النظر عن ذلك.
ومن المحتمل أن تبدو هذه الحجة جوفاء بالنسبة لمؤسسة الأمن القومي التي تتشبث بمبدأ سرية المعلومات.
أما فيما يتعلق بالخصوم الأضعف، يرى زوكربيرغ أن تجربة إدارة شبكة اجتماعية تظهر أن مكافحة الاستخدامات الخبيثة للذكاء الاصطناعي هو سباق تسلح يمكن الفوز به طالما كان لدى الأطراف الصالحة آلات أكثر قوة من الأطراف السيئة، فسيكون كل شيء على ما يرام.
ومع ذلك، قد لا يكون هذا الافتراض صحيحاً، فمن الناحية النظرية يمكن لأي شخص استئجار تكنولوجيا قوية عند الطلب، من خلال إحدى منصات الحوسبة السحابية العامة.
من الممكن تخيل عالم مستقبلي يتم فيه تنظيم الوصول إلى قوة الحوسبة الهائلة هذه، ومطالبة شركات الحوسبة السحابية باتباع قاعدة «أعرف عميلك» مثل البنوك.
كانت هناك اقتراحات بأنه يجب أن تتحكم الحكومات بشكل مباشر فيمن لديه حق الوصول إلى الرقائق اللازمة لبناء الذكاء الاصطناعي المتقدم.
قد يكون هذا هو العالم الذي نتجه إليه في النهاية، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فهو لا يزال بعيداً، ومن خلال المصادر المفتوحة، تتقدم نماذج الذكاء الاصطناعي المتاحة بحرية بالفعل.