الترحيب بالمتدربين صيفاً تقليد في الشركات الأمريكية. لكن هذا الصيف، استقبلت الشركات عدداً أقل من الطلاب إن وجدوا.
وقلل «جولد مان ساكس» المحللين الصيفيين بعدد 200 متدرب هذا العام مقارنة بمن وظفهم في 2023. وقلص «جيه بي مورغان» حجم مجموعة المحللين الذين يوظفهم صيفاً بواقع 600 شخص، ما يزيد على 10% من الإجمالي. أما «تسلا»، فقد ألغت عروض التدريب قبل أسابيع من بدء توافد الطلاب.
وألغى أرباب الأعمال الأمريكيون برامج التدريب الداخلي مع محاولتهم خفض التكاليف وزيادة الكفاءة؛ تحسباً للتباطؤ الاقتصادي. وقللت الكثير من الشركات معدل التوظيف في وظائف الياقات البيضاء، بعد استقطاب الكثير من الخريجين الجدد في الأعوام الأخيرة، ما يعني عدم وجود ما يكفي من الوظائف كي ينتقل إليها المتدربون.
وأشار موقع زيب ريكروتر الأمريكي للوظائف إلى انخفاض إعلانات برامج التدريب الصيفي على الموقع الإلكتروني بنسبة 14% بين صيف العام الجاري والماضي. كما تراجعت إعلانات برامج التدريب الصيفي على موقع «إنديد»، بحسب نيك بانكر، الخبير الاقتصادي المختص في الوظائف لدى الموقع في أمريكا الشمالية.
وقال بانكر: «أعتقد أنه انعكاس واسع النطاق للقطاعات التي تميل إلى توظيف المتدربين، والتي شهدت انخفاضاً ملحوظاً في الإعلان عن الفرص، خاصة وظائف الياقات البيضاء التقليدية»، لافتاً إلى انحسار الإعلانات بصورة أكبر في القطاعين المالي والاستشارات.
وفتحت الشركات مكاتبها لطلاب الجامعات المتلهفين لاكتساب الخبرة العملية منذ ستينيات القرن الماضي. وعلى مر العقود، تطورت البرامج التدريبية من عمالة رخيصة لجلب القهوة وإنجاز الأعمال الإدارية، لتصير برامج تدريبية متطورة تماثل التدريب المهني. وتضمنت البرامج الأكثر تنافسية في بنوك وول ستريت وشركات الاستشارات الأربع الكبرى ومجموعات التكنولوجيا وجود معلنين عن الوظائف في الحرم الجامعي، وبدلات سكن، وفعاليات ترفيهية باذخة تم تقديمها على أنها ممارسات لبناء العمل الجماعي. ما جعلها هدفاً رئيساً لخفض التكاليف، بحسب ماثيو هورا، الأستاذ المشارك في جامعة «ويسكونسن-ماديسون» ويدرس البرامج التدريبية.
وتابع هورا: «دائماً ما تكون برامج التدريب بين أول الأشياء التي تتخلى عنها الشركات». وقال: «إذا ما كنت رئيساً تنفيذياً وأسعى إلى التخلص من أشياء لخفض التكاليف، فستكون برامج التدريب واحدة من بين أولى هذه الأشياء».
وذكر شون ماكغوان، مدير علاقات أرباب العمل لدى جامعة «كارنيغي ميلون» أن الشركات استغرقت شهوراً أطول من المعتاد هذا العام للالتزام بحضور معارض التوظيف الصيفي التي تقيمها جامعته. وبالنسبة للذين حضروا، فقد اعتمدوا بشدة على المقابلات الافتراضية بدلاً من ابتعاث مستقطبي المهارات للقاء الطلاب. وأفاد شخص على اطلاع بعمليات التوظيف في وول ستريت بأن عدد المتدربين المعينين في كل موسم صيفي كان يميل إلى التقلب وفق احتياجات الشركات. ورفض كل من «غولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان» التعليق على فصول التدريب الصيفي بوظائف المحللين، ولم تستجب «تسلا» لطلب التعليق.
وتسبب إلغاء البرامج التدريبية بموسم تقديم طلبات الالتحاق في صعوبة على وجه الخصوص بالنسبة للطلاب. وشهد مستقطبو المهارات زيادات حادة في عدد الطلبات المُقدمة لكل وظيفة مع تضاؤل الإعلانات. وتلقى «غولدمان ساكس» 315 ألف طلب لما يقل عن 3 آلاف وظيفة. وأعلنت ماري كالاهان إيردوس، الرئيسة التنفيذية لوحدة إدارة الأصول والثروات داخل «جيه بي مورغان» في مايو الماضي، تلقي المصرف 493 ألف طلب للتقديم، بزيادة قدرها 82% مقارنة بالصيف الماضي.
وتتساءل ليسلي ميتلر، المدربة الوظيفية المتخصصة في طلاب الجامعات: «لقد تفاجأ الجميع بمدى صعوبة الأمر»، وأردفت: «أصبحت عملية التقدم بطلبات التدريب بالتنافسية ذاتها التي تنطوي عليها الوظائف بدوام كامل».
ووفق هورا، فقد احتدمت الضغوط على الطلاب للحصول على تدريبات في الشركات خلال الأعوام الأخيرة، مع مواجهة قادة الجامعات مطالبات متزايدة للبرهنة على أن الدرجات العلمية توفر فرص عمل كافية بصورة تبرر ازدياد تكاليف التعليم. وأضاف أن الطلاب يتجهون أيضاً إلى البرامج التدريبية لتعزيز سيرهم الذاتية في ظل تباطؤ التوظيف بصفة عامة.
وتقدم أحد عملاء ميتلر بـ 70 طلباً للالتحاق ببرامج تدريبية، ولم يحصل إلا على مقابلة واحدة وعرض واحد.
ولم تتخلَّ كافة الشركات عن برامج التدريب. فقد ضاعفت شركة «كاسيا» لتوريد البرمجيات التي تتخذ من ميامي الأمريكية مقراً لها، حجم برامج التدريب لتسع 24 شخصاً هذا العام. كما تضاعفت الطلبات المقدمة إلى الشركة، ما يبقي على التنافسية الشديدة التي تتسم بها العملية، بحسب إريك لوند، رئيس التوظيف العالمي لدى «كاسيا».
وقال لوند: «للمرة الأولى منذ بضعة أعوام، سيتحتم عليك العمل بجد فعلاً لتحصل على وظيفة بعد تخرجك في الجامعة»، وأسهب: «وأعتقد في اتضاح ذلك لدى الكثير من المتدربين».
ويرى هورا أن هذا التحول سيجعل مزيداً من الطلاب يتنافسون على عدد أقل من الوظائف. ومع ذلك، أخبره عدد متزايد من أرباب العمل أنهم لم تعد تتوفر لديهم الموارد اللازمة لتشغيل البرامج.
وأضاف: «يقولون نحن بحاجة إلى كافة موظفينا، وليس بمقدورنا أن نجعلهم يتولون تدريب بعض طلاب الجامعات».