رواية “بقايا رغوة” هي الرواية الأولى من ثلاثية روائية للكاتب والأديب والصحفي الفلسطيني الأردني جهاد الرنتيسي، تضم رواية ثانية بعنوان “خبايا الرماد”، ورواية ثالثة بعنوان “شامة سوداء أسفل العنق”.
جاءت التجربة الروائية للرنتيسي بعد تجربة متشعبة في الكتابة الصحفية والفكرية والسياسية، إلى جانب تجربة العمل والعيش في الكويت والأردن، والمتابعة الدؤوبة لأحوال الحياة السياسية والوطنية الفلسطينية والأردنية والعربية.
تؤكد هذه الرواية ابتداء أن الكاتب والصحفي والمثقف -إجمالا- يتمتع بحاسة المراقبة والشعور المتعاظم بالمسؤولية والسعي لتكوين موقف نقدي مما يعايشه ويحيط به، أي أنه لا يكتفي بما يكتفي به الآخرون، بل يعمد إلى التحليل واستخلاص العبر والمواقف والمعاني مما يختبئ وراء الأحداث، ومما تواريه التفاصيل المتشعبة للتجربة المعيشة. وإذا ما كان هذا المؤلف فلسطينيا فمن الطبيعي أن يربط الأحداث بالتجربة الأعم للهجرات الفلسطينية، وينظر لها من زاوية تأثيرها في مآل القضية الفلسطينية ومآل جماعات الشتات التي ارتبطت بها.
والجديد مع صدور رواية “بقايا رغوة” أن جهاد الرنتيسي اختار أن يجرب تنظيم خبرته ورؤيته من خلال نوع أدبي عصري هو نوع الرواية، بما فيه من إمكانات تتيح الجمع بين الفائدة الفكرية والمتعة السردية، إلى جانب تضمين الرواية خلاصة خبرات ومعلومات وتحليلات شتى بطرق فنية ربما لا تتيحها الأنواع والأشكال الكتابية الأخرى.
فالرواية تمنح مؤلفها فرصة ثمينة للاختباء وراء الراوي والشخصيات والعالم المجسد في الرواية، والتظاهر أنه عالم مستقل عنه، ذلك أن الرواية تتسع -بطبيعتها- للوصف والتحليل والتسجيل والنقد والمراجعة والتأمل، وتتيح للروائي استعمال راوية أو أكثر، ورسم شخصية بل شخصيات متباينة مختلفة تمام الاختلاف عن شخصية المؤلف.
وبمقدور الكاتب الروائي أن يزعم أن الشخصيات ترسم نفسها بنفسها، وأنها ربما تمردت عليه، واختارت تشكلها وصورتها بما يستقيم مع طبيعتها، بعيدا عن وصاية المؤلف وتدخله المباشر، ذلك أن الكتابة الروائية لها تقاليدها وطبيعتها المختلفة عن الكتابة التاريخية والإعلامية والتوثيقية وغير ذلك من أشكال كتابية ترتكز على قول الحقيقة وتقديم الرأي بطريقة مباشرة بعيدة عن التخييل السردي.
أحوال الفلسطينيين بعد غزو الكويت 1990
وتسترجع رواية “بقايا رغوة” -من الناحية التاريخية- مرحلة النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، فهي المرحلة الراهنة بالنسبة للزمن الروائي، وتركز على حياة الفلسطينيين في الكويت، ممن استقروا فيها بعد الهجرة الأولى (1948) وتضاعفت أعدادهم بعد الهجرة الثانية (1967)، وكونوا ما يشبه أن يمثل مجتمعا فلسطينيا فرعيا له تنظيماته الاجتماعية والسياسية، وله اختلافاته عن الوجود الفلسطيني في العواصم والمدن ومناطق الشتات الأخرى.
وقد تطور هذا المجتمع مع تطور أحوال الكويت خصوصا بعد اكتشاف النفط، وفرص الثراء وتكوين الثروات، إلى جانب النشاط السياسي والوطني، إذ سمحت أجواء الكويت بكثير من الحرية للفلسطينيين لممارسة نشاطهم السياسي وفتح مكاتب لكثير من تنظيماتهم النشطة آنذاك، واكتسبت حياة تلك الجماعة تطورها وتحولاتها الخاصة حتى عام 1990 عندما فوجئ هؤلاء -كما فوجئ غيرهم- بغزو الكويت، وانقلاب الحياة فيه، وقد تأثر هؤلاء مثلما تأثر الآخرون بتداعيات الغزو والاحتلال، وما أعقبه من تحولات شاملة ومؤسفة في المنطقة كلها.
وقد اضطر أكثر هؤلاء للهجرة مجددا إلى بلدان ومناطق جديدة لم يعرفوها قبل ذلك، ولم يؤسسوا لهم وجودا فيها. ولقد تفاوتت حظوظهم في مجتمعاتهم الجديدة وفق أحوالهم المادية ووفق ما تهيأ لهم من سبل تدبير العيش، إلى جانب ما انخرطوا فيه من مراجعات سياسية وتنظيمية، سرعت ظروف ما بعد الغزو وما جرته من تحولات سياسية في إحداثها وحث الخطى إليها.
تمثيل حياة الجماعة الفلسطينية في الكويت
تهدف الرواية في ضوء قراءتنا إلى تمثيل جوانب من حياة الجماعة الفلسطينية، وبالذات جماعة الشتات في الكويت، ولكن بطريقة مواربة تستند إلى خيارات المؤلف واتجاهه إلى الفئات المهمشة من ناحية الجنس (النساء أكثر من الرجال) ومن ناحية الانتماء السياسي المهمش (ما سموا بالتحريفيين أو اليسار الناقد أحيانا).
وقد تم ذلك في الرواية من خلال مجموعة من الشخصيات المتخيلة، التي رحلت من الكويت إلى عمان وغيرها من العواصم والمدن العربية وغير العربية، ومن خلال الذاكرة المصدومة بالرحيل والهجرة الجديدة، تحضر الحقب السابقة في مراجعة مؤلمة للوجود الفلسطيني في الكويت حتى بداية تسعينيات القرن الـ20.
تتم هذه المراجعة بطريقة مركبة ومواربة اختارتها الرواية لتستقيم مع أسلوبها ومع شخصياتها ومع طبيعتها القائمة على النقد الضمني وعلى التركيز على الانهيارات الداخلية التي تجاوبت ورددت أصداء الانهيار السياقي الشامل.
منظور نسوي وشخصيات نسوية
شخصيات الرواية الأساسية كانت من النساء، ومنظور الرواية تبعا لذلك منظور نسوي لم يأت مصادفة وإنما بناء على اختيار قصدي يستند -فيما نظن- إلى رؤية المؤلف نحو تمثيل المهمشين والوعي بمسألة المركز والهامش في الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية الفلسطينية والعربية، ولذلك تأتي شخصيات النساء في الطبقة الأولى من الرواية خلافا لموقعها الثانوي المهمش وفق تراتبية السياق الواقعي والتاريخي، ويندرج عالم الرجال/الذكور -حسب الرواية- في ظلال العالم النسوي.
وبهذا المعنى فإن رواية “بقايا رغوة” هي رواية تجريبية من روايات المهمشين، تعبر عن جوانب دالة من صراع المركز والهامش من منظور نسوي وسياسي، وتتضمن وفق ذلك مراجعات وترتيبات لا تخفى على القراءة المدققة.
في مقدمة الشخصيات الحاضرة في الرواية شخصية “غادة الأسمر” التي يمكن اعتبارها الشخصية الرئيسية الناظمة لحبكة الرواية رغم تفتتها وغموضها، تنفتح الرواية على حضور هذه الشخصية أو بالأحرى على كابوس من كوابيسها العمانية، قبل أن ترتد نحو الوراء وتفسر لنا بطريقة فسيفسائية متقطعة قصة شتاتها وتكونها الاجتماعي والسياسي الاعتباطي منذ حياتها في قريتها القديمة قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية الفلسطينية، وزواجها المبكر من قريب لها يكبرها سنا مع إنهاء دراستها الثانوية.
كل هذه المحطات منعتها من استكمال تجربة شغفها الأولى وحبها الأول “رشيد” فأكملت حضوره عبر تخيلاتها، تعيش مع “صبحي” في الواقع، وتسترجع “رشيد” في المتخيل، وقد ظل هذا دأبها في حياتها المزدوجة المركبة في الكويت على امتداد عقود، وصولا إلى هجرتها وإقامتها وحيدة في عمان. وإذا كانت الرواية تبتعد عن إدانة هذه الشخصية وعن نقدها المباشر، وتكتفي بوصف علاقاتها العاطفية خارج التزامات الزواج، وتلتقط مواقف انتهازيتها غير الخفية، فإنها تفتح الباب لتحليل هذه الشخصية تحليلا نفسيا واجتماعيا قد يكشف عن بعض الدوافع الخفية وراء سلوكها التعويضي الانتقامي.
نساء وعلاقات متشعبة
وإلى جانب هذه الشخصية حضرت شخصيات متعددة متفاوتة الحضور والوضوح من صديقات “غادة الأسمر” ومعارفها وجيرانها، من مثل شخصية فدوى الصديقة والرفيقة التي تتوهج حماسا ونشاطا في مراحلها المبكرة، ثم تمتد بها السنين وهي تستهلك حياتها في العمل التنظيمي والحزبي، وتتحرك بين العواصم فنراها في بيروت ودمشق وعمان، تبعا لنشاطها التنظيمي وقربها من قيادات التنظيم الذي تنتمي إليه، وتختلط لديها العلاقة الرفاقية بالعلاقة العاطفية أحيانا، ولكنها تظل وحيدة تعاني من خيبتها ووحدتها، وينعكس ذلك على علاقتها مع الآخرين، وعلى تحليلها لما آلت إليه الأمور، خصوصا بعد إيقاف التفرغ الحزبي وتوقف المخصصات المالية في إشارة إلى بعض وجوه تبدلات المرحلة.
وهناك شخصيات مثل ريما التي تأتي من الفحيص، وسوسن المصرية التي كانت مقيمة في الكويت وتحب وديع العراقي الشيوعي في الكويت، وتتبعه إلى عمان لوداعه، قبل أن يهاجر مجددا إلى الدانمارك، وهناك شخصية “أم عامر” التي تنسج شبكة علاقات في محيطها الفلسطيني في الكويت، وتقدم خدمات متنوعة لمعارفها من النساء والرجال.
الخلاصة أن لكل من هؤلاء النساء قصتها وخيبتها، ولها ارتباطها بغادة الأسمر، ودورها في بناء الرواية النسوية. معظم العلاقات تؤول إلى الانفصال والخيبة والتخلي، وضحية ذلك هن النساء اللواتي لا يملكن خيارا وإنما يعلكن خيباتهن في جلسات حوارية تشبه بحواراتها المتقطعة وأناتها المكتومة أن تكون جلسات الاعتراف والعلاج النفسي على الطريقة الفرويدية التقليدية في التداعي النفسي الحر.
السرد المفتت والبنية المتشظية
يقوم أسلوب السرد على راو كلي المعرفة، يرافق الشخصيات ويعبر عنها، يروي بضمير الغائب في أكثر الأحيان، ولكنه مع شكله الخارجي ليس إلا راويا داخليا يلتزم في معظم الأحيان بمقتضيات الرؤية الداخلية، وآية ذلك أنه يتغلغل في عمق الشخصيات، ويعبر عن ذاكرة كل شخصية وعن دواخلها، ويتنقل بحرية بين الأزمنة والأمكنة والشخصيات، فكأنه الصوت الداخلي وصوت الذاكرة لكل منها.
وإذا كان الراوي كلي المعرفة بصيغته التقليدية الاعتيادية، يتميز بسرده المتصل المنظم، فإن الراوي الداخلي في “بقايا رغوة” يعمد إلى السرد المتقطع، حتى في الفقرة الواحدة، متخذا من المنظور الاسترجاعي الذي تسيطر عليه الذاكرة، بما فيها من طبيعة انتقائية، وما تمتلكه من حرية الانتقال والتخلص والقطع وغير ذلك، مسارا متشظيا لسرده.
مما يضعنا أمام رواية مكثفة صعبة بعض الشيء على القارئ غير المتمرس بأساليب الرواية المعاصرة، ففيها ضروب من اختلاط الضمائر، ومن النقلات الحرة التي لا تحتكم إلى بنية منظمة، وتختلط فيها طبقات الأحداث وكسر الذكريات، وأشتات الرغبات والتأملات، ورغم تقسيمها إلى فصول مرقمة (13 فصلا) فإن هذا التقسيم لا يعني إلا درجة محدودة من التنظيم، إذ في كل فصل نشهد التداخل والاختلاط والتنقل، بل يمتد ذلك على مستوى الفقرات والمواقف السردية المختلفة.
خلفت طريقة السرد غير المنتظم وغير المتسلسل نوعا من الحبكة المفتتة والمتشظية، وهي حبكة تذكرنا بما آلت إليه الحبكة السردية في الرواية الراهنة، وقد يُعلل هذا التفتت بأن العالم لم يعد عالما منظما واضحا، وأن حقب الانهيار والتفتت يصعب محاكاتها وتمثيلها بحبكات منتظمة متسلسلة.
إنها حبكات عالم السيولة والفوضى عالم ما بعد الحداثة، كما قد يسميه بعضنا، على مختلف الأصعدة، ولذلك فإن مثل هذه الحبكة تحاكي في تفككها القصدي والفني العالم المنهار والمفكك الذي تنبئ به المرحلة المُمثلة في الرواية.
إنها انهيارات متتابعة في الخارج والداخل، تواجهها الرواية ومعها الشخصيات باللجوء إلى الذاكرة المتداعية، والتداعي هنا يحمل معنى الانهيار والتهدم، كما يحمل مفهوم التداعي السردي الذي يختلط أحيانا بالمونولوج وشيء من تيار الوعي، الذي يمثل تأمل الشخصيات وتدفق تفكيرها.
وإلى هذه الطريقة السردية التي حاولنا وصفها، يعود ما قد يلحظه القارئ من تشتت وفراغات وفجوات قرائية تتسبب في قدر بين من غموض القراءة وصعوبة متابعة أحداث الرواية في بعض الأحيان، فالصعوبة ليست في مكوناتها وشخصياتها بقدر ما هي في طريقة سردها التي لا تقدم تطور الشخصيات ولا تقدم أحداثا منظمة متطورة، وإنما تستعيد عالما اكتمل انهياره ولم يبق منه إلا الفتات والأشتات التي لا تكاد الكتابة السردية تتمكن من تجميعها وتنظيمها.
عالم الكوابيس والأحلام المجهضة
ويتبع مثل هذه الحبكة المفتتة والمفككة توظيف الكوابيس والأحلام التي تتصادى مع مخاوف الشخصيات وإحساسها المتعاظم بالفزع من تغير أحوالها وانهيارها، وتحضر في الرواية كوابيس الشخصية الرئيسة، شخصية “غادة الأسمر”، فرغم المظهر الخادع المستقر لحياتها، فإن هذا الاستقرار لا يجاوز الأحوال المالية والمادية، ولذلك تفصح الكوابيس عن خوفها وقلقها من المستقبل وفعل الزمن.
فرشاد الناجي في المرحلة العمانية غير رشاد الناجي في الكويت، وهي تريد الاحتفاظ به قريبا متاحا سريا قدر ما تستطيع، وهو كما يبدو يريد التفلت من قيود هذه العلاقة المؤقتة مهما تطل. فلا مستقبل لشاب مثله ومن طبقته (الطبقة العاملة) مع امرأة متزوجة “من طبقة ثرية” مستقرة في فيلا خاصة، بينما يقيم هو عاطلا عن العمل في فندق شعبي وسط المدينة.
ثمة اختلافات كثيرة بين الشخصيتين على المستوى الاجتماعي والثقافي والتعليمي، واللقاء الجسدي والعاطفي بينهما لا يصمد أمام محددات الواقع وإلزاماته، فهذه العلاقة رغم اتساع حضورها في الرواية علاقة مشروخة بلا حاضر ولا مستقبل، تقوم على انتهاز لحظات مسروقة لا يمكن أن تستمر.
ولذلك فليس غريبا أن تلمح بقرب غيابه أو فراره، وما محاولات “غادة الأسمر” الاتصال المتكرر بفندقه الشعبي إلا تعبير عن الخوف من فقدانه أو رحيله. ترصد الرواية جانبا من مخاوف المرأة التي تتمثل في كوابيسها المتكررة، التي ترى فيها رشاد الناجي وهو يغيب أو يختفي وراء الغيوم، هذه الكوابيس شكلت مادة سردية أضافت بعض التنوع لكسر رتابة الحضور شبه الثابت للسرد المتقطع القائم على الذاكرة.
الصحافة مكونا في الرواية
أفادت الرواية من خبرة مؤلفها في الصحافة والصحف، وخصوصا في حقبتها النشطة في تسعينيات القرن الماضي، وتبدت هذه الإفادة في تضمين الرواية مادة سردية تستند إلى مناخ الصحافة، من مثل قيام الشخصية الرئيسية بدراسة صحفية لصالح مجلة تنظيمها السياسي حول أحوال العائدين من الكويت، وسرد قصة بحثها من خلال زيارتها لإحدى الصحف الأردنية ولقائها بالصحفي محمود الذي تبين أنه من العائدين أيضا، إذ أعلمها بأنه كان يعمل في مركز دراسات صحيفة القبس قبل الرحيل وقدم لها المساعدة الممكنة، فأكملت رحلتها إلى قاعة الدوريات بمكتبة الجامعة الأردنية للاطلاع على ما كتبته الصحف والمجلات حول أزمة الكويت والعائدين منها.
كما قامت غادة الأسمر بمرافقة صديقتها فدوى للقاء الراحل يعقوب زيادين الأمين العام التاريخي للحزب الشيوعي الأردني، وقد وجهتا الأسئلة إليه بخصوص موقف حزبه آنذاك من أزمة الكويت، وسجلت الرواية طرفا من الحوار الصحفي، ممتزجا بالأسلوب الروائي، مما أتاح تقطيعه ومنحه فرصة الاندماج في نسيج الرواية حتى لا نكون مع كتابة صحفية خالصة.
وإلى جانب ذلك، تتفاعل الشخصيات مع المادة التي يقرأنها في الصحف والمجلات، ويعلقن عليها، والخلاصة في هذه الميزة أن الرواية قد أفادت إفادة طيبة من هذا المناخ الذي ينسجم مع رغبة الرواية بتسجيل آثار الهجرة الجديدة وموقف المهاجرين مما حدث وإعادة تقييمهم لمواقفهم ووجودهم في ضوء ما سبق.
ويمكن اعتبار الحصول على “أوراق سعد الخبايا ووثائقه” التي أودعها في ساعة الخطر لدى “رشاد الناجي” فوصلت من خلال هذا إلى “غادة الأسمر” وصديقاتها، موقفا آخر له صلة بالصحافة والتحليل السياسي، ذلك أنهن قرأن هذه الأوراق وساعدتهن على إعادة تأمل أحوال الفلسطينيين ومجمل النشاط التنظيمي والحركي هناك، من منظور هذا الرجل الذي يمثل كما يبدو إحدى الشخصيات القيادية والمعروفة في إطار اليسار الفلسطيني في ثمانينيات القرن الـ20، وقد يكون لهذه الأوراق حضور أوسع في الأجزاء القادمة من هذه الرواية لتكون إحدى الخيوط القابلة للتطور والتوسع.
شخصيات حقيقية في إطار تخييلي
ومع المناخ التخييلي للرواية من ناحية شخصياتها النسوية الرئيسية، فقد عمدت إلى ذكر شخصيات تاريخية وحقيقية، أسهم ذكرها في ربط الرواية بخلفياتها الواقعية والسياسية والتاريخية، ومن الشخصيات التي مر ذكرها في الرواية ضمن بعض أحداثها أو أحاديث شخصياتها المتخيلة: ناجي علوش، خالد الحسن، نمر صالح (أبو صالح)، ماجد أبو شرار، يعقوب زيادين، عبد الوهاب البياتي، محمد البطراوي.
أما الراحلة زهرة عمر الروائية المعروفة فقد ظهرت بأوضح من غيرها، وتوسع حضورها في أحد الفصول، وغدت شخصية تتبادل الحوار مع شخصيات الرواية، بوصفهن صديقات قديمات منذ مرحلة بيروت في نهاية سبعينيات القرن الماضي. واستدعى حضور “زهرة عمر” كما يبدو شيئا الانتقال إلى الفلكلور والثقافة الشركسية والحديث عن الهجرة والشتات الشركسي الذي حاولت الرواية أن تجد له علاقة مع بعض جوانب الشتات الفلسطيني.
ولقد انتهت الرواية نهاية مفتوحة، لتسمح ربما بميلاد خيوط وأجزاء أخرى تتم هذه الرحلة الشقية، ولتدل عبارة “بقايا رغوة” على شيء من زبد الرحلة كلها، وهو المعنى “الكنفاني” القديم الذي ألمحت إليه الرواية في دلالتها الكلية، وإذا كانت الرحلة هنا رحلة معكوسة أي الهجرة من الكويت وليس الهجرة إليها، فإن النتيجة واحدة، تتمثل في أن الهجرة الوحيدة الحقة هي رحلة العودة إلى الوطن.