اختتمت في دبي فعاليات «قمة المدن الثقافية العالمية 2024» التي أقيمت برعاية سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، واستضافتها الإمارة للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحت شعار «ثقافة الغد.. كيف تستشرف الأجيال القادمة مستقبلنا؟»، وشارك فيها أكثر من 36 مدينة من حول العالم، لتبادل الأفكار، وتسليط الضوء على جهود المدن التي تدعم الاقتصاد الإبداعي، وتستثمر في الصناعات الثقافية والإبداعية، وتسعى إلى احتضان ودعم أصحاب المواهب والكفاءات، وإتاحة الفرص أمامهم، للإسهام في إعادة تشكيل مستقبل المدن الإبداعية.
نقطة التقاء عالمية
وأكدت سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، أن «قمة المدن الثقافية العالمية 2024» شكّلت نقطة التقاء عالمية، ومنصة فريدة لاستكشاف دور الثقافة الحيوي في تشكيل مدن المستقبل وازدهارها، وإرساء أسس التنمية المستدامة، مشيرة إلى أثرها في تعزيز ريادة دبي على الخريطة الثقافية الدولية، وترسيخ مكانتها وجهةً ثقافيةً عالميةً، عملاً برؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لجعل دبي مركزاً دولياً للثقافة، وحاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب من حول العالم.
قوة الثقافة
وقالت سموّها: «تمكّنت القمة من إبراز قوة الثقافة وقدرتها على التأسيس لحوار عالمي، يسهم في رسم ملامح السياسة الثقافية، وإيجاد حلول متنوعة، تُمكن المدن من جذب المبدعين، وتساعد في توحيد الجهود، لتعزيز جودة حياة المجتمعات، وجعلها أكثر استعداداً لمواجهة التغيرات والتحديات العالمية، ويُمهد الطريق أمام الأجيال القادمة للمساهمة في تصميم مستقبل المدن الثقافية، وإثراء الحراك الثقافي العالمي».
وأضافت سموّ رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي: «أثبتت (قمة المدن الثقافية العالمية) حضورها كمنصة مبتكرة تلتقي فيها الرؤى والأفكار المُلهِمة، لإيجاد حلول تركز على استثمار الخبرات والممارسات الثقافية والإبداعية في التطوير الحضري للمدن، وتفتح الآفاق أمام الشباب والمبدعين، وتحفزهم على مواصلة مسيرتهم في إبراز قوة الإبداع الإنساني»، مشيرة سموّها إلى أن القمة العالمية مثّلت فرصة استثنائية للتعريف بهوية دبي الأصيلة وتاريخها العريق، وتنوّعها الثقافي وتراثها الغني وقيمها الجمالية، وما تمتلكه من إمكانات وكفاءات وقدرة على مد جسور التواصل بين الثقافات المختلفة.
«مستقبل التعليم»
وشهدت نسخة القمة لهذا العام، إطلاق سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، تقرير «مستقبل التعليم في الاقتصاد الإبداعي»، الذي يسعى إلى استكشاف مشهد التعليم في الصناعات الثقافية والإبداعية، وإبراز أهمية الاستثمار في التعليم، ودوره في دفع عجلة نمو الاقتصاد الإبداعي، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
وحرصت القمة على أرشفة مخرجاتها ونتائج جلساتها، وجمعها ضمن تقرير متكامل، يصدر لأول مرة منذ تأسيس القمة، بهدف توثيق أفضل الممارسات والأفكار، لضمان الاستفادة منها مستقبلاً، وتضمنت نسخة هذا العام من الحدث العالمي، إطلاق مسرِّع جديد بالتعاون بين «دبي للثقافة» و«شبكة منتدى المدن الثقافية العالمية» و«فايب لاب»، يضع معايير جديدة لدعم السياسات الثقافية التي تستهدف الأنشطة الثقافية التي تقام ليلاً، ويعزز إسهاماتها في النمو الاقتصادي للمدن. كما أطلقت مؤسسة «مجتمع جميل» تقريرها الجديد الذي يسلّط الضوء على فنون العلاج في أسكتلندا، ويتناول التأثير الواسع لمهرجان نظمه مختبر جميل للفنون والصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث يستعرض التقرير تجربة المختبر في دمج الفنون ضمن سياسات الصحة العامة في أسكتلندا، وإسهامها في معالجة التحديات الصحية التي تؤثر في أكثر من 5.4 ملايين شخص.
جلسات وعروض
وشهد الحدث على مدار ثلاثة أيام عقد سلسلة من الجلسات والعروض التقديمية التفاعلية والاجتماعات الثنائية، بمشاركة 141 عضواً من ممثلي الصناعات الثقافية والإبداعية في المدن ضمن شبكة منتدى المدن الثقافية العالمية، لتصبح هذه النسخة الأكبر من حيث عدد المشاركين في تاريخ القمة منذ إطلاقها، حيث تضمنت الأجندة تنظيم 30 جلسة، شملت كلمات افتتاحية وندوات وورش عمل متنوعة، ناقشت مجموعة من الأفكار التي تبرز دور الشباب في رسم ملامح السياسة الثقافية العالمية، وإعادة تشكيل واقع الحياة في المدن، وسلّطت الضوء على إسهام المناطق الإبداعية في تعزيز الابتكار في المدن، وإمكانات دمج الثقافة كعنصر أساسي في الأنظمة الصحية، وكيفية تسخير قوة الثقافة لابتكار حلول إبداعية تسهم في رفع مستوى الوعي بقضايا المناخ، كما ركزت على دور الذكاء الاصطناعي في صياغة السياسات الثقافية، وتقديم نماذج تمويل المشاريع الثقافية ومستقبلها.
واستعرض المشاركون، خلال الجلسات، أبرز الاستراتيجيات التي توصلت إليها المدن العالمية لتمهيد الطريق أمام الأجيال القادمة، وتمكينهم من تطوير مهاراتهم، واستخدام التكنولوجيا المتطورة لمواجهة التحديات المستقبلية، فيما أتاحت الجلسة المفتوحة للجمهور، التي عقدتها الهيئة وحضرها أكثر من 250 مشاركاً ضمن فعاليات القمة تحت عنوان «مواهب الغد: ماذا يحتاج المبدعون من المدن؟»، الفرصة لأصحاب المواهب لتبادل الأفكار مع نخبة من الخبراء وقادة المدن الثقافية، حيث تناولت الجلسة متطلبات المبدعين، واحتياجاتهم المستقبلية، ودور الثقافة في تمكين المدن من استقطاب أصحاب المواهب والمحافظة عليهم، عبر توفير مساحات عمل بكُلفة مناسبة للمبدعين، وتشجيعهم على مواكبة التقنيات المتطورة، وتعزيز التعليم الابتكاري لديهم. وخلصت جلسات القمة إلى مجموعة من المخرجات المهمة، من أبرزها: ضرورة تعزيز التفاهم الثقافي، وتبادل المعرفة بين المدن العالمية، ومشاركة أفضل الممارسات في الصناعات الثقافية والإبداعية.
ممارسات الاستدامة
حرصت «دبي للثقافة» على تطبيق ممارسات الاستدامة في جميع جوانب القمة العالمية، حيث التزمت بتقليل البصمة الكربونية من خلال إعداد خطة تأثير بيئي متكاملة، تعتمد على النقل الصديق للبيئة، وتوفير محطات إعادة التدوير في جميع مواقع الفعاليات، وتقديم قائمة طعام خالية من اللحوم بنسبة 50%، إضافة إلى الحد من المواد المطبوعة عبر تبني مجموعة من الحلول الرقمية، ومن بينها اعتماد التسجيل الإلكتروني، وتوفير الإرشادات الرقمية بجانب تطبيق ذكي خاص بالقمة، وتعاونت الهيئة مع شركة «ذا ويست لاب» الإماراتية، لإدارة النفايات العضوية، وعملت الهيئة على الحد من استهلاك الطاقة والمياه بطرق ذكية وفعّالة، وتقليل المواد سريعة التلف والمواد ذات الاستخدام الواحد، وقامت بحساب الانبعاثات الناتجة عن الرحلات ووسائل النقل المحلية، ليتم تعويضها عبر اعتمادات الكربون التي توفرها «دبي للثقافة» لدعم زراعة أشجار الغاف ومشاريع الطاقة المتجددة في الإمارات.
وتميّزت نسخة القمة لهذا العام بسلسلة من العروض الفنية والإبداعية، التي حملت بصمات نخبة من الفنانين والمصممين والمبدعين والطهاة الإماراتيين، وجاء ذلك في إطار التزامات «دبي للثقافة» الهادفة إلى دعم وتمكين أصحاب المواهب، وتحفيزهم على مواصلة شغفهم، وعرض إبداعاتهم أمام شرائح المجتمع. فقد تولى جاسم النقبي تصميم الهوية البصرية التي تعكس مكانة دبي كحلقة وصل بين الماضي والمستقبل، فيما تزينت مواقع الفعاليات بمجموعة من التركيبات والأعمال الفنية، ومن بينها عمل «حرفة التراث الصحراوي» للفنانة روضة الشامسي، وعمل «حرفة التراث الجبلي» للفنانة علياء غباش، وفيه تحتفي بالعناصر الثقافية التي تتميّز بها المناطق الجبلية، فيما استعرضت الفنانة حصة الكندي عبر أعمالها، مفهوم التخطيط الهندسي والمعماري في أحياء دبي التاريخية، بينما أبدعت الفنانة علياء السند في الرسم بالضوء، لتقديم عمل فني فريد مستلهم من روائع الخط العربي، منحت من خلاله ضيوف القمة تجربة ملهمة لتظل ذكرى لديهم بعد عودتهم إلى مدنهم، وشكّل عمل «البيذانة» للفنانة منيرة الملا تجربة فنية فريدة تعكس التلاحم بين المجتمع والبيئة.
لطيفة بنت محمد:
. القمة العالمية شكّلت فرصة استثنائية للتعريف بهوية دبي الأصيلة وتاريخها العريق وتنوعها الثقافي وتراثها الغني وقيمها الجمالية.
. الحدث أثبت قوة الثقافة، وقدرتها على التأسيس لحوار عالمي يرسم ملامح المستقبل، ويجعل المجتمعات أكثر استعداداً لمواجهة التغيرات والتحديات.