أبحرت سفينة الدورية البحرية الإيطالية «ليبرا»، الإثنين الماضي، إلى ميناء شينغجين في شمال غرب ألبانيا، محملة بمهاجرين غير شرعيين تم اعتراضهم في البحر الأبيض المتوسط.
ومن المقرر أن يكون أولئك أول مهاجرين يتم نقلهم إلى مركز لمعالجة أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، أقامته إيطاليا في ألبانيا بموجب اتفاق تم إبرامه بين الدولتين العام الماضي، والذي تسعى الدول الأوروبية جاهدة لنسخه.
وبموجب هذا الاتفاق، ستعترض السفن الحكومية الإيطالية التي تبحر في المياه الدولية المهاجرين، وتفصل الرجال الأصحاء الذين يعتقد المسؤولون أنه يمكن رفض طلبات لجوئهم وإعادتهم إلى أوطانهم، إذا كانوا قادمين من 22 دولة تصفها روما بأنها «آمنة».
خطة مدروسة
وانطلقت المجموعة الأولى المكونة من 16 مهاجراً في قاربين، اعترضتهما السلطات الإيطالية في المياه الدولية الأحد الماضي.
وبينما سيتم نقل النساء والأطفال والضعفاء والمهاجرين من البلدان المعرضة للخطر إلى إيطاليا، والخضوع لفحص اللجوء المنتظم، سيتم إرساء الرجال في شينغجين، شمال تيرانا، على بعد أمتار من الشواطئ السياحية المزدحمة. وسيتم احتجازهم من قبل الشرطة الإيطالية في قسم مسيّج من الميناء، قبل نقلهم إلى مركز الاحتجاز في ألبانيا، حيث سيتم تصويرهم، وأخذ بصمات أصابعهم، وتوفير وسائل الاستحمام لهم، وإعطاء كل واحد منهم سترة رياضية.
في مركز احتجاز المهاجرين في جادر بألبانيا، المحاط بسياج معدني بارتفاع 20 قدماً، سيُمنح الرجال المحبوسون هناك سترات زرقاء أو سوداء لارتدائها، وسينام كل أربعة في حاوية مسبقة الصنع، ولكل منهم قابس لهاتفه النقال.
ويقول مسؤول إيطالي يستعد لفتح البوابات لأول الوافدين المتوقع وصولهم قريباً: «لقد قمنا بطلاء الأرض باللون الأخضر، لأنه سيكون له تأثير مهدئ على ضيوفنا».
ومن الميناء، ستنقل الحافلات المهاجرين إلى جادر، على بعد 14 ميلاً في الداخل، حيث تم بناء مركز احتجاز رئيس في موقع قاعدة جوية ألبانية قديمة، كجزء من عملية كان من المقرر افتتاحها في مايو، وستكلف إيطاليا 670 مليون يورو على مدى خمس سنوات.
وخلف هذا السياج المرتفع، حيث تسري قوانين الولاية القضائية الإيطالية، سينتظر المهاجرون 28 يوماً فقط لمعرفة ما إذا كانوا قد مُنحوا حق اللجوء أم لا بفضل عملية متسارعة قدمتها حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، العام الماضي.
وقال المسؤولون إنه يمكن استيعاب 400 مهاجر في المباني الجاهزة المكيفة في الوقت الحالي، وسيرتفع العدد إلى 880 مع استمرار البناء.
تحتوي كل مساحة على أربعة أسرة بطابقين، مع مراتب رقيقة مقاومة للحريق، وطاولة صغيرة، إذ يتناول أربعة رجال وجبات الطعام التي يتم تقديمها لهم.
ويعترف المسؤولون بأن هذا جزء من خطة مدروسة لمنع المهاجرين من التجمع بأعداد كبيرة، وبالتالي تجنب الاضطرابات.
وسيتم حبس أي مثير للشغب في سجن يتسع لـ20 شخصاً، مع غرفة مؤتمرات فيديو لعقد المحاكمات من قبل قاضٍ في روما.
وبعد فترة الاحتجاز التي ستستغرق 28 يوماً، يتم حبس طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم في زنازين مصممة للمهاجرين، حيث سينتظرون هناك إلى أن تتم إعادتهم إلى وطنهم.
القانون
وأفاد مسؤولون، بأن القانون يسمح لهم بإبقاء المهاجرين منتظرين هناك لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، بينما تتفاوض روما على إعادتهم إلى ديارهم، على الرغم من أن أحد خبراء الهجرة قال إن طلبات الإعادة إلى الوطن غالباً ما يتم تجاهلها، ما يخلق مشكلة ضخمة محتملة لخطة ميلوني الرئيسة للهجرة.
وقال الباحث في مؤسسة الأبحاث الإيطالية «آي اس بي آي»، ماتيو فيلا: «إيطاليا بحاجة إلى اتفاقيات إعادة أفضل، وليس مراكز جديدة». وأشار إلى إحصاءات الإعادة الإيطالية الرسمية التي تظهر أنه في السنوات الخمس التي سبقت جائحة «كوفيد»، تمكنت إيطاليا من إرسال عدد قليل من المهاجرين إلى بلدان «آمنة»، لكن 24% فقط من المهاجرين عادوا إلى تونس، و13% إلى نيجيريا، و7% إلى بنغلاديش، بينما كان معدل الإعادة إلى الوطن في مالي وغينيا 1%.
وأضاف فيلا: «يتم تحقيق هذه المعدلات على مدى ثلاثة إلى ستة أشهر، وإذا دعت الحاجة إلى إخراج المهاجرين من ألبانيا قبل ذلك الحين، فسيتعين إعادتهم إلى إيطاليا، ومنحهم حرية التنقل، وهو ما ينفي تماماً التأثير الرادع الذي كانت خطة ألبانيا تهدف إلى تحقيقه في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «أستراليا استطاعت أن تحتجز المهاجرين على الجزر إلى أجل غير مسمى، أما إيطاليا فلا تتمتع بهذه الميزة».
حقوق الإنسان
وتندد جماعات حقوق الإنسان بخطة ألبانيا، وتقول منظمة «سي ووتش»، وهي واحدة من المنظمات غير الحكومية التي تدير السفن التي تنقذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، إن إطلاق هذه الخطة فتح «فصلاً مظلماً». ووصفتها منظمة العفو الدولية بأنها «وصمة عار على الحكومة الإيطالية».
وهناك صداع آخر لميلوني، سببه حكم أصدرته محكمة العدل الأوروبية هذا الشهر، يقضي بأن البلد الأصلي الآمن، الذي يمكن إعادة المهاجرين إليه، يجب أن يكون آمناً في جميع أنحاء أراضيه.
وقال غيدو سافيو، وهو محامٍ متخصص في الهجرة، إن «العديد من البلدان الـ22 التي تعتبرها إيطاليا (آمنة) سيتم شطبها من القائمة، حيث يتبع القضاة الإيطاليون الحكم الأوروبي».
وقد دفعت مثل هذه الشكوك نواب المعارضة الإيطالية إلى القول إن الأموال التي أنفقت على مراكز المهاجرين كان من الأفضل استخدامها لدعم الخدمات الصحية في إيطاليا، لكن الدول الأوروبية كانت تطالب بالتفاصيل منذ أن أشاد الاتحاد الأوروبي بخطة ميلوني باعتبارها «تفكيراً خارج الصندوق». عن «التايمز» اللندنية
مضيفون محتملون
ما يجعل خطة ألبانيا أكثر قابلية بالنسبة لزعماء الاتحاد الأوروبي من خطة المملكة المتحدة لإرسال المهاجرين إلى رواندا، هو أن أي مهاجر يتم إرساله إلى ألبانيا ستقبله إيطاليا كلاجئ، إذا كان طلبه للجوء مقنعاً، في حين تترك المملكة المتحدة المهاجرين في رواندا، بغض النظر عن أي شيء آخر.
لكن في حين استضاف رئيس وزراء ألبانيا، إيدي راما، لاجئين أفغاناً نيابة عن الولايات المتحدة، فقد وعد بأن تكون صفقته مع رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، بشأن مراكز المهاجرين لمرة واحدة، وهو ما اعتبره كثيرون صب ماء بارد على آمال دول الاتحاد الأوروبي في اتباع خطاها، وفتح مراكزها الخاصة هناك.
وقد شجع ذلك المسؤولين الأوروبيين على استمالة دول البلقان الأخرى التي ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كمضيفين محتملين لمعالجة المهاجرين في الخارج.
ومع ذلك، جاء رد حاد من رئيسة مولدوفا، مايا ساندو، التي تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتي قالت إنها سترفض إيواء مهاجرين نيابة عن دول أخرى.
. 400 مهاجر يمكن استيعابهم في المباني الجاهزة بألبانيا حالياً، على أن يرتفع العدد إلى 880 مهاجراً مع استمرار البناء.
. الخطة تقضي باعتراض إيطاليا المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم إلى ألبانيا لمعالجة أوضاعهم بموجب اتفاقية بين البلدين.