تكتسب زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة أهمية استثنائية، حيث يتضح من البيان المشترك بعد القمة الإماراتية الأمريكية أن الزيارة عمقت الشراكة إلى المستوى الذي يجعل منها مؤثراً فاعلاً ليس في القضايا الجيوسياسية فقط، بل في التأثير الإيجابي في مسارات الاقتصاد العالمي والمساهمة في تشكيل مستقبله، بما يمتلكه البلدان من إمكانات علمية ومعرفية، ومادية في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وعبر هذه الزيارة يترجم محمد بن زايد رؤية الإمارات الطموحة، التي تستجيب للأهداف الوطنية، عبر سياسات خارجية، هي في الواقع امتداد للسياسة الداخلية في النهضة والتنمية والازدهار، حيث تأتي زيارة واشنطن مثل كل الجولات الخارجية، التي قام بها محمد بن زايد لبناء شراكات اقتصادية وتكنولوجية، وفي الطاقة والمناخ وغيرها، والتي لا تعود بالنفع على البلدين فقط، بل على المنطقة والعالم، وإيماناً بالمسؤولية الإنسانية تجاه المنطقة وتجاه الشعوب الأقل حظاً، وعزمها على المشاركة في صياغة المستقبل، وهو ما بدا واضحا في البيان الإماراتي الأمريكي.
وانسجاماً مع الرؤية الوطنية، وقدرات الإمارات الهائلة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، الذي يشكل اليوم محور النمو الاقتصادي في المستقبل، وتطوير قطاعات التعليم والصحة، بما له من إمكانات هائلة، وتحديات قائمة في نفس الوقت، أسست الزيارة لشراكة تكنولوجية واقتصادية أكثر عمقاً واتساعاً مع الولايات المتحدة، باعتبار ذلك ضرورة موضوعية تسبق المستقبل، وتستعد لتحدياته.
حيث أكد الجانبان على العديد من مجالات التعاون في الشراكات العلمية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي الآمن والموثوق، ودعم البحث والتطوير الأخلاقيين له، وبناء أطر تنظيمية لتعزيز الابتكار، وتوسيع وتعميق التعاون في مجال حماية الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وتطوير المواهب ودعم الطاقة النظيفة لمتطلبات أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتعزيزه من أجل التنمية المستدامة في البلدان النامية، وهي بنود تشير إلى أن البلدين يدركان أهمية هذا القطاع وقدراته على تشكيل ملامح اقتصاد العالم في السنوات المقبلة.
والمتابع لسياسة محمد بن زايد يرصد مثل هذا التعاون والشراكات الاقتصادية والتكنولوجية أيضاً مع كل الاقتصادات الكبرى، والناشئة في العالم مثل الصين والهند وروسيا وإندونيسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها، بما يجعل الإمارات في قلب الاقتصاد العالمي، بل وأحد محركاته وتوجهاته الأساسية، وزيارة رئيس الدولة للولايات المتحدة تعظم هذا الدور الحيوي، وتجعله أكثر تأثيراً عبر تعاون استراتيجي، ورؤية مشتركة تستند إلى خمسين عاماً مضت من العلاقات، وتؤسس لخمسين عاماً مقبلة من الشراكة.
تقدم الملف الاقتصادي في زيارة محمد بن زايد لواشنطن لا يعني تراجع الملفات السياسية، التي تهم المنطقة، بل كانت حاضرة أيضاً في اجتماعاته بالرئيس الأمريكي جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، وهي ملفات وقضايا، يعرف القاصي والداني ثبات موقف الإمارات منها، ومساهمتها الإيجابية والفاعلة في التصدي لتقديم الحلول لها، وهي لا تحتاج إلى إعادة تأكيدها والبحث والتباحث حولها، لأنها منخرطة بالفعل، وبلا انقطاع لتكريس الحلول السلمية والحوار في حل الخلافات والنزاعات، ليحل السلام والاستقرار الذي تحتاج إليه شعوب المنطقة، والتحول والتفرغ إلى التنمية والازدهار، بل إن الإمارات تسخر سياساتها الخارجية ليس لخدمة اقتصادها فقط، بل واقتصاد المنطقة وهو ما كان البيان الختامي واضحاً في التأكيد عليه، حتى إنه يمكن القول إن في المنطقة اليوم ما يعرف بتأثير الإمارات الاقتصادي، الذي لجأت دول إقليمية عديدة لمحاكاته واستنساخه، وهو تأثير تمتد جذوره إلى ذكاء الرؤية، التي تتبناها الإمارات بقيادة محمد بن زايد، وإلى ذكاء سياسي واقتصادي يخدم النهضة والازدهار، وآليات تضمن النجاح بامتياز، وهي مقبلة على إنجازات مضاعفة معتمدة على جيل شاب يؤمن بالعلم والمعرفة باعتبارها مفاتيح التفوق، ويحمل راية التقدم والعزم على استئناف الحضارة بما ينفع البشرية.