ليس أدل على أن الضفة الغربية تقف أمام مفترق بالغ الخطورة، من تبادل وجهة التصعيد، وانحسار المرتكزات السياسية حول كيفية احتواء تداعيات اليوم التالي لانهيار جهود التهدئة، ومنع تدهور الأوضاع نحو انفجار شامل، لا يمكن لأي من المراقبين تقدير تشظياته على المنطقة التي بدت ترقد على فوهات براكين نشطة. وحال انهيار الجهود السياسية، فإن أول الارتدادات ستنعكس على الضفة الغربية التي يهدد محور الحرب (نتنياهو، سموتريتش، وبن غفير) بتحويلها إلى غزة ثانية، إذ أعطت الأحداث الأخيرة انطباعاً ومؤشرات واضحة على نية توسيع العمليات العسكرية فيها، كما يقول مراقبون.
ولعل الإعداد لمسرح التصعيد على جبهة الضفة الغربية بدأ مبكراً، عبر تكرار الاجتياحات مستهدفة المحور الشمالي من الضفة الغربية (جنين، طولكرم، وطوباس) ما قرع ناقوس الخطر باعتبار حديث نتنياهو وائتلافه الحكومي لا يحمل أي إمكانية للتراجع عن جعلها غزة ثانية بالفعل.
يقول الباحث والمحلل السياسي رائد عبدالله، إنه وفي الوقت الذي اعتقدت فيه القيادة الفلسطينية أن الضفة الغربية بعيدة عن مسرح الأحداث، يبدو أن ساعة الضفة الغربية دقت بالفعل، بل إن الجيش الإسرائيلي يخطط لتوسيع رقعة عملياته في مدن أخرى إذا لزم الأمر، ما يحتم الانتظار أكثر لما بعد الفرصة الأخيرة لمفاوضات التهدئة.
ويضيف عبدالله في تصريحات لـ«البيان»، أن هناك مناخات سياسية ومقترحات جديدة تتحدث عنها واشنطن حول هدنة غزة، لكن هذا لن يكون كافياً أو مطمئناً لضبط أوضاع المنطقة، إذ إن الحرب على لبنان قد تندلع في أي لحظة، وأن الكل بدأ يتحسب لهذا السيناريو، ما يتطلب إيجاد الحل الشامل للمحور المترامي من غزة والضفة الغربية إلى لبنان، حتى في ضوء التشكيك العميق في فرص الحلول السياسية.
قنبلة دخانية
ويرى مراقبون في المقترح الإسرائيلي الأخير المتمثل في خروج قائد حركة حماس يحيى السنوار من قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين المتبقين في قبضة الحركة ووقف الحرب، أشبه بقنبلة دخانية ألقت بها إسرائيل في أروقة مباحثات التهدئة، والهدف منها نقل كرة النار إلى ملعب حماس، محذرين من خطورة ألا يشمل الحل الضفة الغربية.
ولم يعد بمقدور الفلسطينيين تجرع انعقاد جولات جديدة من المفاوضات السياسية، لحاجتها إلى نطاق أوسع مع تمدد مساحات الحرب إلى مناطق جديدة هزت مضاجعهم، إذ ارتسم سريعاً سباق التصعيد في الضفة بدلاً من تهدئة الأوضاع في غزة، ما وضع الأراضي الفلسطينية برمتها أمام حالة طوارئ مفتوحة. ويشير المحلل السياسي هاني المصري، إلى أن أي مفاوضات للتهدئة في قطاع غزة لن تحجب دينامية المشهد الملتهب في الضفة الغربية، مرجحاً ألا تفضي المباحثات إلى اختراق وشيك، حتى لو عبر عن ذلك الفريق الأمريكي.
تعقيدات مشهد
وفي الأيام الأخيرة، ارتفعت وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية لمدن وقرى ومخيمات الضفة، كما عادت سياسة الاغتيالات إلى الواجهة، كما جرى في طولكرم والفارعة وطوباس، وتسبب هدم العشرات من المنازل في تشريد عائلات فلسطينية، ولا تختلف توجهات الجيش الإسرائيلي عن توجيهات المستوى السياسي، ونبرته التصعيدية الخطيرة. وتتجه الضفة الغربية إلى التعايش مع حالة الحرب المصغرة لكنها تبدو مرشحة للتوسع كبقعة زيت على رقعة انهيار هدنة غزة، وعلى وقع هذه الأجواء عالية المخاطر، تزداد تعقيدات المشهد، فهل ينتزع شركاء الدبلوماسية حلاً من بين أنياب الحرب؟.. في حضرة التصعيد الجاري ما يستنبط صعوبة المهمة.