تلحظهم في مدن وقرى الضفة الغربية، يتواجدون بين الفلسطينيين، يعيشون ويأكلون معهم، وينتظرون يوم الجمعة بلهفة، لمشاركة الأهالي في المسيرات والتظاهرات الشعبية المنددة بالاستيطان والاعتداءات الإسرائيلية.
يتعرضون للقمع والضرب والاعتقال، وأحياناً يصابون بالرصاص ويستنشقون الغاز السام، وكان لهم الدور الريادي في عولمة القضية الفلسطينية.
منهم من قضى تحت جرافة إسرائيلية، مثل المتضامنة الشهيرة راشيل كوري، وغالبيتهم يعيشون في قرى فلسطينية نائية، بعيداً عن صخب الفنادق. هم المتضامنون الأجانب الذين شكلوا منذ انتفاضة الأقصى 2000 رافعة أساسية للعمل الشعبي والفعاليات الجماهيرية في فلسطين.
اليوم تعيد قضية مقتل المتضامنة الأمريكية من أصول تركية عائشة نور إزجي إيجي (26 عاماً)، خلال تظاهرة سلمية في بلدة في بيتا جنوبي نابلس في الضفة الغربية، تسليط الضوء على ما يواجهه المتضامنون الدوليون جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين، وأن لا فرق بين فلسطيني أو غيره، ولا فرق بين شاب أو فتاة أو امرأة أو رجل، فالكل في دائرة الاستهداف.
عائشة ليست فلسطينية، بل هي متضامنة لم يمنعها بعد المسافات التي كانت تفصلها عن فلسطين، من رفض الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وسبق أن تحدثت عن سبب قدومها إلى فلسطين، مؤكدة أن انخراطها في المسيرات الجماهيرية والتظاهرات الشعبية، يندرج تحت إطار الواجب، ومن أقوالها: «لكل شخص على وجه الأرض الحق في العيش بحرية، وفي ظل دولة، ومن حق الفلسطيني أن يحصل على هذا الحق، ويعيش بأمن وسلام على أرضه».قسوة المشاهد
وحسب والدتها، فإن قسوة مشاهد الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، والتي كانت تتابعها عبر شاشات الفضائيات، هي ما دفعت بعائشة كي تنضم إلى التظاهرات الشعبية في فلسطين، مبينة أنها كانت تقيم مع بعض صديقاتها الفلسطينيات، وسبق أن تعرضت لمضايقات واعتداءات من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي تتنقل بين القرى الفلسطينية التي تجري فيها التظاهرات السلمية، لكنها كانت تصر على المشاركة، وتفخر بهذا التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ويقول نشطاء فلسطينيون في العمل الجماهيري إن جريمة قتل عائشة إيجي، ومن قبلها راشيل كوري تحمل بين ثناياها رسالة تهديد واضحة لكل من يتضامن مع القضية الفلسطينية العادلة، ويعلي صوته منادياً بحرية الشعب الفلسطيني، وأن هذا الاستهداف يأتي في إطار تقاسم الأدوار بين الجيش الإسرائيلي وميليشيات المستوطنين، في قتل أي مساندة للفلسطينيين في مساعيهم الرامية للحرية.
وكانت عائشة تقود حملة دولية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في بلدة بيتا جنوب نابلس تحت شعار «فزعة» عندما عاجلها قناص إسرائيلي برصاصتين في الرأس، وضعتا حداً لحياتها، وشاء القدر أن تقتل في الوقت الذي قتلت فيه الطفلة الفلسطينية بانا بكر البوم، البالغة من العمر 13 عاماً، خلال اعتداء للمستوطنين على أهالي قرية قريوت، والتي لا تبعد عن بلدة بيتا سوى بضعة كيلومترات، ما رسم فيضاً من علامات الاستفهام «بأي ذنب قتلتا»؟.
ويرى محافظ نابلس غسان دغلس في الإجابة عن هذا السؤال ما ينزع الصفة الإنسانية والأخلاقية عن جيش يدعي بأنه الأكثر أخلاقية في العالم، ومن المفارقات التي توقف عندها: كيف أن أمريكا لا تزال تقدم السلاح للجيش الإسرائيلي، كي يقتل المتضامن الأجنبي بسلاح أمريكي!.