تملك مدن الضفة الغربية مخزوناً تاريخياً وأثرياً يعادل المخزون التي تزخر به بقية المدن الفلسطينية القديمة، وفق ما يشرح باحثون ومختصون في الآثار الفلسطينية التي لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية، في خضم الحرب على قطاع غزة، وعاصفة الاجتياحات في الضفة الغربية.
وفيما استعادت مدن جنين وطولكرم وطوباس، هباتها الساخنة، على وقع التصعيد في الضفة، وارتفاع المتاريس على تخوم هدنة غزة، فإن ثمة حارات قديمة ومنازل عتيقة ومناطق أثرية وأشجاراً معمرة انضمت إلى لائحة الأهداف الإسرائيلية، في اعتداء يصفه الفلسطينيون بالممنهج.
وبعد ساعات من انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة ومخيم جنين، عشية انتهاء الاجتياح الذي استمر عشرة أيام، تكشفت آثار الدمار والخراب الذي ألحقته الجرافات الإسرائيلية في الشوارع والميادين الرئيسة والمحال التجارية التي انقلبت رأساً على عقب، بل إن بعض الميادين الشهيرة كدوار السينما بدت أشلاء!
ووفق رئيس بلدية جنين، نضال العبيدي، فقد أعاد الجيش الإسرائيلي مدينة ومخيم جنين عشرات السنين إلى الوراء، مبيناً أنه تعمد ضرب شبكات الكهرباء وخطوط المياه، فضلاً عن تدمير البنية التحتية، والميادين الرئيسة، مشدداً على أن إعادة إعمار المدينة ومخيمها ستكون باهظة الثمن، وربما تحتاج سنوات عدة.
وقال العبيدي في تصريحات لـ«البيان»، إن هذا الكم من الدمار والخراب في مدينة ومخيم جنين، هدف إلى دفع المواطنين للرحيل عن أرضهم ومنازلهم، وتحريك المياه الراكدة لجهة الهجرة القسرية وشهد الجميع حرب إبادة بحق جنين وتراثها العريق، لكن هذا لم ولن يسقط من الذاكرة.
وأضاف: في موازاة الأضرار المادية، هناك محاولة لمحو التراث الثقافي والمعالم الأثرية في مدينة جنين، فالعديد من المناطق التراثية والمقامات والمساجد والميادين الضاربة والمتجذرة في عمق التاريخ، تعرضت للتدمير والاستهداف الممنهج، ولم تسلم من آلة الدمار الإسرائيلية.
الأهالي يتفقدون
وتدفق أهالي جنين إلى الشوارع يتفقدون الدمار، وذهلوا من هول ما رأوا، إذ تغيرت معالم الساحات التي اعتادوا الجلوس بين أحضانها، وتهاوت شرفات البيوت القديمة التي كانت تطل على التاريخ العريق للمدينة، وثمة شوارع بدت ميتة بلا شجر أو حجر أو بشر، فيما كان مؤلماً وحزيناً مشهد سقوط البيوت الأثرية التي تجسد التراث المعماري الفلسطيني القديم وأسلوب الحياة الفلسطينية في القرون الماضية، وكأن لسان حال أهلها يقول: ستضع الحرب أوزارها يوماً، لكن من سيعيد لنا تراثنا الذي طمست معالمه وتحول إلى أنقاض وذكريات؟ وحتى لو تم ترميمه وتجديده فمن سيعيد إليه الروح بعد أن فقد إحساسه القديم؟
استدراج
ويقول مراقبون، إنه طالما ظلت أبواب تهدئة غزة موصدة أمام الجهود السياسية، فإن الجيش الإسرائيلي سيبقي على وهج الضفة الغربية، من خلال الاجتياحات المتلاحقة، مؤكدين أنه من سابع المستحيلات جعل مناطق الضفة بمعزل عن مآلات الحرب في قطاع غزة، مع الإبقاء على طبخة الهدنة ساخنة، من خلال إطالة أمد المفاوضات لإطالة أمد الحرب.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، أن هناك خطة عسكرية إسرائيلية تستهدف الضفة الغربية، منها ما صدر عن الجيش الإسرائيلي بإعلان الضفة الغربية منطقة قتال عسكري، ومنها المخططات الاستيطانية الموضوعة للضفة الغربية منذ ما قبل 7 أكتوبر، وتنفذ الآن بوتيرة عالية، مشدداً على أن إسرائيل تستدرج حلاً للضفة الغربية تحت النار، طالما ظل عداد الحرب مفتوحاً في قطاع غزة.