تعتبر العادات والتقاليد الخاصة بأي جماعة أو مجتمع، إضافة لأنواع الحرف التقليدية والصناعات المتوارثة، وأشكال العمارة والمواد المستخدمة في البناء، والزخارف والنقوش والأشكال الهندسية، وأصناف الطعام، وأنواع الثياب والملابس، والأغاني والأهازيج، والرقصات الشعبية، والأعياد، وطرق العلاجات التقليدية والأدوية الشعبية، والعادات المتبعة في احتفالات الزواج والولادة.. وغيرها مما لا يعد ولا يحصى من التفاصيل التي تندرج تحت ما يسمى بالإرث أو الموروث الثقافي والحضاري العام لأي جماعة أو مجتمع. تهتم جميع أمم الأرض بهذا الإرث، فتعمل على حفظه، وتوثيقه، والاحتفاء به وتخصيص أيام ومناسبات احتفالية لاستعادته وتذكير الأجيال الجديدة به كي يبقى ماثلاً وحياً في ذاكرتهم على الدوام، باعتباره حقاً ثابتاً ومتوارثاً، وباعتباره هوية محددة تمنح كل مجتمع خصوصيته التي تحفظه وتحميه أمام خطر التلاشي والذوبان في طوفان الثقافات والجنسيات العابرة للحدود، هذا العبور والاختلاط الذي أصبح يشكل تحدياً كبيراً للخصوصيات الثقافية على مستوى العالم.
وإضافة لذلك فهناك مجتمعات وشعوب تحتاج لمزيد من الجهود والعمل المضني للحفاظ على هويتها نظراً لخصوصية الظروف التي تعيشها كالشعب الفلسطيني مثلاً الذي يتعرض ميراثه الثقافي للطمس وأحياناً المصادرة كما يتعرض الشعب نفسه للإبادة على يد المحتل، ولهذا يؤسس المثقفون الفلسطينيون مؤسسات تعنى بالحفاظ على الموروث الفلسطيني كمؤسسة «رواق» التي أسستها الروائية الفلسطينية سعاد العامري.
في روايتها «دمشقي» الصادرة في طبعتها الأولى عام 2019 نجد بعداً توثيقياً يحتل جانباً كبيراً في الرواية، يعبر عن اهتمام الكاتبة بتوثيق الإرث الثقافي لمجتمعها، كما يدل على وعيها كروائية فلسطينية، بدور الأدب في مواجهة تحديات مصادرة الهوية والتراث التي يتعرض لها الفلسطينيون.
لذلك فالكاتبة في روايتها تفصل كثيراً فيما يتعلق بطرز العمارة وأنواع الأطعمة وعادات الزواج والضيافة…الخ، لتوثيق التفاصيل المتعلقة بحق شعبها في الحفاظ والانتماء لإرثه وهويته، إلى جانب التأكيد على أقدمية وأصالة الوجود الفلسطيني في فلسطين والمنطقة، ما يدحض مقولة إن هذه الأرض كانت خالية من السكان عندما تم احتلالها!تكتب سعاد العامري وأي روائي فلسطيني باعتبار الرواية فعل مقاومة وتحدياً لا يقل أهمية عن أي سلاح آخر.