إن رتم الحياة المعاصرة وسرعتها، تسبب للكثير منا الضغوط والمشاكل النفسية ونلاحظ تزايد الحالات التي تعاني من اكتئاب نفسي وإحباط، والبعض يبقى دون توجيه أو رعاية أو حتى اهتمام من قبل متخصص في العلاج النفسي أو الإرشاد السلوكي، وهذا في نهاية الأمر قد يسبب معضلات مرضية كبيرة، يعرفها أطباء النفس والمتخصصون وقد يسبب الانتحار وربما مضاعفات تتمثل في حالات الإحباط والقلق.

ولكن هل تعلم أنه بإمكانك برمجة نفسك وعدم السماح لتلك الظروف القاسية بأن تقتلك وتسيرك مثلما تشاء، فمهما كانت الصعوبات قاسية فإن علم الهندسة النفسية أو البرمجة النفسية سوف يساعدك على تجاوز أزمات الحياة، لقد جاء هذا العلم ليؤكد قدرة الإنسان على تكييف حالاته النفسية وفق إرادته وتبديل الحزن إلى فرح والتعاسة إلى سعادة والغضب إلى هدوء، إضافة إلى قدرته على برمجة نفسه وتفكيره لتحقيق أهدافه وتطوير قدراته الذاتية وهذا يتم وفق تقنيات منهجية تعلمنا إياها الهندسة النفسية.

إن هذه التقنية ظهرت في فترة السبعينات على يد العالمين الأمريكيين «جون غريندر وريتشارد باندلر» اللذين قررا وضع أصولها أو مبادئها كعلم جديد أطلقا عليه اسم برمجة الأعصاب لغوياً، وكان ذلك في عام 1973 وبتشجيع من المفكر الانجليزي والأستاذ في جامعة سانتا كروز «جريجوري باينسون» وقد اهتمت بمبادئها كبرى الشركات الكبرى العالمية.

يجمع علماء البرمجة على تعريف البرمجة اللغوية العصبية وهي عبارة عن مجموعة التقنيات التي تساعد المرء على العيش ضمن حياة أفضل وعلى إحكام السيطرة على طريقة تفكيره، وعلى الشعور والتصرف حيال العوائق بفعالية أكبر.

إنها الطريقة للنظر للحياة بكل إيجابية بحيث يتم استبدال الأمور الحزينة والكارثية بالمخ والعقل بذكريات سعيدة وممتعة وفرحة، حتى يستطيع المخ تجاوز فكرة الإحباط والانتحار وغيرها من الأفكار السلبية، إن الهندسة الإيجابية لمحو السلبيات تكمن في تعلّم كيفية تحديد الأهداف واتخاذ الإجراءات والبراعة الحسية والمرونة عند التصرف وإقامة شبكة كبيرة من العلاقات الاجتماعية، بإمكان الهندسة النفسية أن تساعدنا على إدارة الذات والتخلص من الغضب والتحكم في النفس وضبطها والتخلص من مشاكل الماضي والاستعداد للمستقبل، فالأحداث المؤلمة عندما تستعيدها تصبح جزءاً منها، ولكن ماذا لو فكرت بطرحها جانباً، ونسيانها، ورغم صعوبتها في البداية وصعوبة استبدالها ولكن يتمثل الموضوع بك.

فإذا رغبت أن تظل أسيراً لمشاكلك وحالتك النفسية حتماً سوف تغرق فيها، مثلاً الغضب الذي نخزنه بصورة معينة سوف يتمثل في داخلك بصوت وصورة وإحساس معين، وسوف يتراكم في داخلك ويتكون ويكبر وقد يمنعك من أمور كثيرة وربما يعطل حياتك، وقِسْ على ذلك جميع الأحاسيس الأخرى كالجوع والأمن والرضا والشبع، كل حالة لها هندسة معينة موجودة في حياتك، تربت معك منذ الطفولة، فإذا طغت واحدة وأخذت مساحة أكبر فقد تسيطر عليك.

وهذا ما تفعله الهندسة النفسية إذا حاولت مثلاً أن تسيطر على غضبك سوف تتجاوز الكثير من المشاكل، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». إن إدارة الحالة التي تذكرها الهندسة النفسية هي نفسها التي دعا لها الحديث الشريف.

فالإنسان ليس بقوته الجسمانية ولا العضلية، بل القوي الذي يستطيع أن يصل إلى النجاح ويحقق الأهداف، لذلك فإن عالمنا الداخلي يؤثر على الخارجي، يقول الفيلسوف لاو تسو: «من يعلم الكثير عن الآخرين يكون متعلماً، أما من يفهم نفسه فهو الذكي الفطن، ومن تكون له الكلمة المسموعة عند الآخرين يكون قوياً، أمّا من يملك نفسه فهو الأقوى دائماً». 

استخدم قوّتك للتغيير وتطوير القدرات التي تجعلك تستدعي أي حالة تريد أن تعيشها وتحتاجها، فأنت تحتاج للثقة بالنفس والصبر والطمأنينة، وتحتاج إلى الإبداع والتعلم والتركيز وغيرها من الأمور التي يمكن لها أن تساعدك في استدعاء الحالة التي تريدها، وعندها يمكنك أن تتجاوز مشاكلك عن طريق هندسة حياتك النفسية بذكاء.

شاركها.