أسدلت مصر وتركيا الستار أخيراً على عقدٍ من التوترات السياسية التي شهدتها العلاقات بين البلدين منذ العام 2013.

وذلك بالإعلان رسمياً عن رفع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، في خطوة يرى مراقبون أنها تقود إلى معادلات جديدة في المنطقة، ذلك بخلاف تداعياتها المرتقبة على مستوى العلاقات الثنائية.

شهدت المنطقة خلال الفترات الأخيرة تطورات واسعة على صعيد العلاقات الإقليمية، مع إعادة ترتيب كثير من الملفات العالقة، وقد جاء التقارب المصري التركي كجزء من تلك الخطوات المعبرة عن ما تشهده العلاقات في المنطقة من تحولات واسعة، لا سيما في ضوء الظروف الإقليمية والدولية المعقدة، وانعكاسات الأزمات المختلفة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وما تفرضه تلك الأزمات من تحديات واسعة تطال الجميع.

قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية لم يكن مفاجئاً، خصوصاً في ظل الاتصالات المستمرة التي بدأها البلدان منذ العام 2021 بعد «المحادثات الاستكشافية».

والتي تم خلالها قطع شوط كبير على صعيد حل القضايا الخلافية، طبقاً للباحث في الشؤون التركية كرم سعيد، والذي يشير في تصريحات خاصة لـ«البيان» من القاهرة، إلى ما تمثله تلك الخطوة من تداعيات إقليمية إلى جانب تأثيراتها في سياق العلاقات الثنائية.

ملفات المنطقة

ويضيف الباحث: «ينعكس ذلك التقارب على كثيرٍ من ملفات المنطقة، من بينها على سبيل المثال الملف الليبي، ذلك أن التكامل المصري التركي قد يعطي دفعة أكبر لدفع الحلول السياسية بهذا البلد».

ومن شأن هذا التقارب – وفق سعيد- أن يساهم في دفع العملية السياسية في سوريا، خصوصاً في ضوء المواقف التركية الراهنة من الرئيس السوري، وكذلك عودة سوريا للجامعة العربية، كما يمكن لمصر أن تلعب دوراً استراتيجياً في وتيرة التقارب التركي السوري.

واحدة من بين أهم الملفات الإقليمية أيضاً التي يمكن أن تتأثر بذلك التقارب، هو ما يتعلق بمنطقة «شرق المتوسط»، وهو ما يلفت إليه سعيد بالإشارة إلى إمكانية توظيف الدور المصري كوسيط من أجل حل القضايا بين تركيا وبين قبرص واليونان، وكذلك انضمام أنقرة لمنتدى غاز شرق المتوسط.

ولا يمكن النظر إلى ذلك التقارب بمعزلٍ عن التطورات الإقليمية والدولية، على أساس أن «المنطقة تشهد تغيراً في نمط العلاقات»، وفق تعبير الباحث في العلاقات الدولية، محمد الديهي.

والذي يقول في تصريحات خاصة لـ «البيان» من العاصمة المصرية، إن هناك نمطاً جديداً في بناء التحالفات في المنطقة، على وقع التطورات التي يشهدها العالم، يرتكز ذلك النمط على التوازن في العلاقات، وتقوده المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية.

خارطة التحالفات

ويرى أن التقارب بين القاهرة وأنقرة على ذلك النحو من شأنه أن ينعكس كذلك على خارطة التحالفات والعلاقات في المنطقة، وبما يؤثر بشكل أو بآخر في عديد من الملفات الراهنة، لا سيما أنه يأتي كحلقة تضاف إلى حلقات التغير في العلاقات الإقليمية والتحالفات القائمة.

تنطلق تلك التغيرات (في العلاقات الإقليمية والدولية كذلك) بناءً على عوامل عدة، أهمها أثر الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من أزمة اقتصادية، إضافة إلى جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات، علاوة على السبب الأهم المرتبط بالولايات المتحدة، وفق الديهي، الذي يقول:

«أدركت الدول – في ظل الأزمات المتتالية – حقيقة سعي واشنطن لمصالحها الداخلية دون مراعاة مصالح دول الجنوب العالمي، وبالتالي لم يعد من مصلحة تلك الدول الارتباط بقطب واحد مهيمن على الصعيد السياسي والاقتصادي عالمياً».

ويلفت في ذلك السياق إلى سعي عديد من دول العالم بما في ذلك دول المنطقة، للخروج من هيمنة الدولار الأمريكي، مستدلاً باتفاقات التبادل التجاري بالعملات الوطنية، وكذلك سعي بعض التكتلات لإطلاق عملات خاصة وموحدة مثل عملة البريكس، ومن ثم «هناك فكر جديد يسود العالم، لبناء نمط من العلاقات مبني على أساس المصالح المتكافئة في مواجهة الأزمات التي تواجه الاقتصاد العالمي».

شاركها.