كانت الأوكرانية، فاليريا خالكينا، تتنزه مع زوجها وطفلتها البالغة من العمر أربع سنوات، لشراء المثلجات، عندما لفت انتباه رجل بولندي حديثهم باللغة الأوكرانية، حيث اقترب الرجل منهم ووجه كلامه إلى الوالدين، مطالباً إياهما بتعليم طفلتهما اللغة البولندية، قبل أن يعتدي عليهما بالضرب.

وتجسد هذه الحادثة، التي وقعت في مدينة شتشيتسين شمال غرب بولندا، ملامح مناخ متنامٍ من العداء تجاه اللاجئين الأوكرانيين، وهو تحول حاد مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2022، مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، حين عبّر مئات الآلاف من البولنديين عن تضامنهم مع جيرانهم، وفتحوا بيوتهم للاجئين، وتطوعوا على الحدود لتقديم المساعدة.

غير أن موجة التعاطف تلك بدأت تتراجع تدريجياً مع اقتراب الحرب من عامها الرابع، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تزايد النظرة السلبية تجاه الأوكرانيين داخل المجتمع البولندي، وقد أسهمت النقاشات السياسية المتجهة نحو اليمين، خصوصاً تلك المرتبطة بالهجرة، إضافة إلى عودة الخلافات والمظالم التاريخية، في تعميق هذا الشعور المعادي.

تجربة قاسية

ووفقاً لإحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش في بولندا نحو مليون لاجئ أوكراني، إلا أن فاليريا خالكينا لا تعد من بين هؤلاء، فهي واحدة من نحو نصف مليون أوكراني دخلوا بولندا قبل عام 2022، وأقاموا فيها لما يقارب عقداً من الزمن.

وتقول خالكينا: «أشعر الآن بأنني بولندية أكثر من كوني أوكرانية، ولم أتخيل يوماً أن يأتي شخص ليملي عليّ كيف أتحدث مع عائلتي»، ومنذ تعرض أسرتها للاعتداء، باتت تعاني نوبات هلع نفسية، وطلبت من ابنتها الامتناع عن التحدث بالأوكرانية في الأماكن العامة.

وعلى الرغم من قسوة تجربة خالكينا، التي انتهت باعتقال المعتدي والحكم عليه بالسجن 14 شهراً، فإن الإساءة بسبب استخدام اللغة الأوكرانية في الأماكن العامة أصبحت ظاهرة منتشرة على نطاق أوسع.

من جهتها، تقول أليونا، وهي امرأة أوكرانية تبلغ من العمر 39 عاماً وتعيش في بلدة صغيرة غرب بولندا: «أشعر بأن الأجواء أصبحت أكثر توتراً الآن»، وتضيف: «عندما نخرج، يهمس الأطفال قائلين: لنتحدث بالبولندية الآن، لم يكن الوضع هكذا من قبل، ولم يكن أحد يعلق علينا، بل كانوا يبتسمون حتى عندما يسمعون لهجتي».

التحول في المشاعر

ومن الصعب تحديد الحجم الحقيقي للاعتداءات اللفظية والجسدية التي يتعرض لها الأوكرانيون، نظراً لأن كثيرين منهم لا يتقدمون ببلاغات رسمية إلى الشرطة، إلا أن استطلاعات الرأي تعكس بوضوح أن هذا التغير في المزاج العام ليس مجرد حالات فردية معزولة، فقد أظهر أحد الاستطلاعات أن نسبة تأييد استقبال اللاجئين الأوكرانيين تراجعت من 94%، عقب اندلاع الحرب مباشرة، إلى 48% حالياً، كما أظهر استطلاع آخر أن دعم انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي انخفض إلى 35%، بعد أن كان 85% في عام 2022.

ويرجع هذا التحول في المشاعر إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها انتشار معلومات مضللة ومقاطع فيديو على نطاق واسع عبر الإنترنت، أسهمت في تأجيج السخط، إضافة إلى ذلك أدى انتخاب السياسي الشعبوي، كارول ناوروكي، رئيساً للبلاد في يونيو 2025، إلى دفع المشهد السياسي البولندي بأكمله نحو اليمين، وخلال تلك المرحلة جرى تصوير الأوكرانيين مراراً على أنهم ناكرون للجميل ويعتمدون بشكل مفرط على المساعدات، رغم أن البيانات الاقتصادية تشير إلى إسهامهم الإيجابي الصافي في الاقتصاد البولندي.

واستخدم ناوروكي حق النقض ضد مشروع قانون حكومي، في أغسطس الماضي، كان يهدف إلى توسيع الدعم المالي للاجئين الأوكرانيين، واقترح بدلاً من ذلك تشريعاً يربط الحصول على المساعدات بضرورة العمل، وفي نهاية المطاف جرى التوصل إلى مشروع قانون توافقي.

الفضاء الرقمي

وقال ألكساندر بيستريكوف، من مؤسسة «بيت وارسو»، إن المشاعر المعادية لأوكرانيا بدأت في الظهور على الإنترنت منذ عام 2023، حيث كانت كل مادة إخبارية تتعلق بكييف في وسائل الإعلام البولندية تقابل بسيل من التعليقات السلبية، متهماً بعض الجهات الروسية بتغذية هذا التعصب الإلكتروني.

وأضاف: «لفترة من الزمن، بدا أن هذه الكراهية تقتصر على الفضاء الرقمي، لكنها بدأت بالانتقال إلى الواقع خلال صيف هذا العام».

وتابع بيستريكوف: «نادراً ما كانت هذه السلبية تتجاوز حدود الإنترنت، وكانت الشكاوى التي نتلقاها من الأوكرانيين محدودة ومشابهة لما قبل الحرب الشاملة. لكن منذ الصيف، تلقينا عدداً كبيراً من البلاغات عن هجمات فعلية».

تاريخ معقد

كما يلعب التاريخ المعقد بين بولندا وأوكرانيا دوراً مهماً في تغذية هذه التوترات، حيث لاتزال ذكرى مقتل نحو 100 ألف بولندي بين عامَي 1943 و1945، على يد قوميين أوكرانيين متطرفين، حاضرة في الذاكرة الجماعية، في سياق الصراع على منطقة فولينيا.

ورغم أن أوكرانيا سمحت أخيراً لبولندا باستخراج رفات الضحايا، فإن وتيرة العمل بطيئة، والموضوع شديد الحساسية لدى قطاعات واسعة من البولنديين.

ومع ذلك، لا يعاني جميع الأوكرانيين المقيمين في بولندا تجارب سلبية، فقد أظهر استطلاع، نشر في أواخر العام الماضي، أن 58% منهم يتوقعون أن يقيم أبناؤهم في بولندا «لسنوات طويلة»، كما أن الشعور بالتمييز ليس عاماً، خصوصاً بين سكان المدن الكبرى، حيث لاتزال مستويات القبول والتعايش أعلى مقارنة بالمناطق الأخرى. عن «الغارديان»


 

تغيرات مشابهة

لا يقتصر هذا التحول على بولندا وحدها، حيث تشهد دول أوروبية أخرى تغيرات مشابهة، ففي ألمانيا صرح المستشار فريدريش ميرتس بأنه ناقش مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مسألة تزايد سفر الشباب الأوكرانيين إلى ألمانيا، قائلاً إنه طلب من الرئيس الأوكراني ضمان عدم قدوم أعداد كبيرة من الرجال الشباب، وضرورة بقائهم لخدمة بلادهم، كما تعمل الحكومة الألمانية على إعداد قانون يهدف إلى تشديد شروط حصول اللاجئين الأوكرانيين على المساعدات.

• المشاعر المعادية لأوكرانيا بدأت على الإنترنت منذ 2023، حيث كان كل خبر يتعلق بكييف يُقابل بتعليقات سلبية.

شاركها.