يكمن القرار الصعب التي تواجهه الحكومة الأوكرانية الآن في أنها بين مطرقة القصف الروسي المتواصل، و«سندان» التخلي عن أراضٍ أوكرانية سيادية تعد جزءاً من هويتها الثقافية.

وثمة مؤشرات إلى أن أوكرانيا ربما تدرس التخلي عن بعض المناطق حالياً لتصبح تحت السيطرة الروسية، بشرط حصولها على ضمانات أمنية قوية، في حال تجدد الهجوم الروسي، لكن أوكرانيا لاتزال تسعى للحفاظ على الجزء المتبقي من منطقة «دونباس»، الذي قامت بتحصينه بعناية فائقة، أو على الأقل تحاول تجنب الاعتراف به كمنطقة روسية والتخلي عنه نهائياً.

ولاتزال أوكرانيا تسيطر على ما بين 10 و15% من «دونباس»، في منطقة «دونتسك»، التي تتربع فوق ثروة من الفحم الحجري، وتضم مصانع هندسية ثقيلة.

واعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، السيطرة على هذا الجزء الأخير من «دونباس»، شرطاً أساسياً لمحادثات السلام، وتم طرح اقتراحين مختلفين حتى الآن، الأول: تحويل المكان إلى منطقة منزوعة السلاح، والثاني: يدعو إلى إنشاء منطقة اقتصادية حرة منزوعة السلاح، وسيعمل كلا الموقعين كمنطقة عازلة بين الأراضي الخاضعة للسيطرة الأوكرانية والأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية.

لكن لم يتم الكشف إلا عن تفاصيل ضئيلة، حول كيف ستبدو هذه الترتيبات، ومن سيحكم المنطقة، وسيراقب الانتهاكات، ومن الذي سيجني الفوائد الاقتصادية.

وقال الباحث البارز في مؤسسة «كارنيجي»، مايكل كوفمان: «يبدو أن هذه الأفكار كتبها مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، لكنها لا تقدم أي تفاصيل فنية. وتعد المناطق المنزوعة السلاح، اقتراحاً معقداً من الناحية الفنية، حيث يتوقف الكثير على التفاصيل».

ووفق الخطة المسربة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، سيتم تحويل هذا الجزء الأخير من الحزام الصناعي في منطقة «دونيتسك» إلى منطقة منزوعة السلاح، وإخلاء الجيش الأوكراني منها، والاعتراف بها دولياً كجزء من روسيا.

لكن أوكرانيا ترى أن ذلك طلب غير عادل، إذ لم يطلب أحد من روسيا سحب قواتها، وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي في 14 ديسمبر الجاري: «إذا انسحبت القوات الأوكرانية خمسة أو 10 كيلومترات، فلماذا لا تنسحب روسيا مسافة مماثلة؟».

وحسب موقع «بوليتيكو»، من المرجح أن تكون فكرة تحويل المنطقة إلى منطقة اقتصادية حرة، اقتراحاً أوكرانياً، بناء على مشورة أوروبية، فبينما قد تتيح المنطقة المنزوعة السلاح لروسيا ضم المنطقة لاحقاً، فإن المنطقة الاقتصادية الحرة ستمكّن أوكرانيا نظرياً من مواصلة امتلاك الاستثمارات والصناعات في المنطقة، وقد يكون الهدف منها أيضاً استمالة الرئيس ترامب من خلال تقديم حوافز ربحية للشركات الأميركية.

لكن زيلينسكي قال إن المنطقة الاقتصادية اقتراح أميركي، وأضاف: «يبحث الأميركيون عن صيغة ما، لقد ناقشوا مسألة (المنطقة الاقتصادية الحرة)، ويطلق عليها الأميركيون هذا الاسم، بينما يطلق عليها الروس اسم (المنطقة منزوعة السلاح)»، وتساءل زيلينسكي عما إذا كان من الممكن الوثوق بروسيا يوماً ما لالتزام القواعد، وما الذي سيمنعهم، أي الروس، من التخفّي في زي مدنيين والاستيلاء على هذه المنطقة الاقتصادية الحرة؟

وفي الحقيقة، توجد قلة قليلة من الاتفاقات في التاريخ التي يمكن أن تكون نموذجاً لمنطقة عازلة ممكنة في «دونباس».

وقد تقبل أوكرانيا بالسيطرة الروسية الفعلية على الأراضي التي تسيطر عليها روسيا بالفعل، وتوافق على منطقة عازلة في «دونباس» التي تسيطر عليها أوكرانيا، بشرط أن تحتفظ بسيادتها الرسمية على تلك المناطق، والمناطق التي تسيطر عليها روسيا حالياً.

لكن الحكومة الأوكرانية لا تعتقد أن التنازلات الإقليمية الرسمية كفيلة بتحقيق سلام دائم، وقد صرح زيلينسكي أيضاً بأن الاستفتاء هو السبيل الوحيد لحسم مسألة التنازلات الإقليمية.

وقال الباحث في الشؤون السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، رافائيل لوس: «يتمثل الموقف الأوكراني في أن حدود عام 1991 تبقى حدوداً للبلاد، ولكنها تدرك أيضاً أنها ليست في وضع يسمح لها بتحرير تلك الأراضي عسكرياً، ولذا فهي مستعدة لقبول السيطرة الفعلية لقوة أجنبية، ولكن من دون أي نقل رسمي للسيادة».

ويعتقد بعض الخبراء أنه وفقاً للوتيرة الپحالية، ستحتاج روسيا إلى وقت وجهد ومال أكبر بكثير لاستعادة «دونباس» التي تسيطر عليها أوكرانيا، وهم يعارضون افتراض إدارة ترامب بأن أوكرانيا تخسر الحرب، وأنه ينبغي عليها مقايضة الأراضي بالسلام، ويقول كوفمان: «إذا كان بإمكان الروس الاستيلاء على هذه الأراضي بسهولة، فلماذا لا يفعلون؟».

ولا يمكن لمنطقة منزوعة السلاح أو منطقة اقتصادية حرة، أن تنجح إلا إذا كان كلا الطرفين حريص على إنهاء الصراع ويفضلان فوائد السلام على استمرار القتال.

وفي هذه المرحلة، من الواضح أن روسيا تعتقد أنها تملك اليد العليا في ساحة المعركة، لاسيما بسبب ميل ترامب إلى بوتين.

ومن الواضح أيضاً أن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين لا يعتقدون أن أوكرانيا ستجني الكثير من السلام الحقيقي بالتنازل عن المزيد من الأراضي. عن «فورين بوليسي»

• الحكومة الأوكرانية لا تعتقد أن التنازلات الإقليمية الرسمية كفيلة بتحقيق سلام دائم، والاستفتاء هو السبيل الوحيد لحسم مسألة التنازلات الإقليمية.

• في الحقيقة توجد قلة قليلة من الاتفاقات في التاريخ، التي يمكن أن تكون نموذجاً لمنطقة عازلة ممكنة في «دونباس».

شاركها.