شكّل فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على «قرض تعويضات» لأوكرانيا بضمان أصول روسية مجمدة ضربة سياسية قوية للدول الكبرى في التكتل، إلا أن البديل الذي تم ابتكاره في اللحظات الأخيرة سيفي بالغرض، ويمثل سابقة مهمة. وبعد مفاوضات طويلة ومضنية استمرت 16 ساعة، وافق قادة الاتحاد الأوروبي، فجر الجمعة، على تمويل أوكرانيا، التي كانت تواجه خطر نفاد أموالها بحلول أبريل المقبل، بقرض بالغ الأهمية بقيمة 90 مليار يورو. ولكن الحل الذي تم التوصل إليه لم يكن الحل الذي كان يتمناه معظمهم.

وقبل نحو شهرين، طرحت المفوضية الأوروبية خطة لتقديم قرض لكييف بضمان جزء من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في أوروبا، والتي تبلغ قيمتها 210 مليارات يورو، ومعظمها مودع لدى غرفة «يوروكلير» في بلجيكا.

وكانت الفكرة أن يقترض الاتحاد الأوروبي من «يوروكلير» لإقراض أوكرانيا. وستبقى روسيا، المالك القانوني للأصول، على أن تسدد كييف، القرض من التعويضات الروسية بعد انتهاء الحرب، ثم يقوم الاتحاد الأوروبي بتعويض «يوروكلير».

وبدا الأمر سهلاً، وكان كما زعم محامو الاتحاد الأوروبي محكماً من الناحية القانونية، وجذب الانتباه لسببين رئيسين: أولهما أنه لم يتضمن أي اقتراض مشترك جديد، وثانيهما وجود شعور بالرضا الأخلاقي لرؤية الأموال الروسية تساعد أوكرانيا في صد الهجوم الروسي.

لكن كانت ثمة عقبة، فقد جادل رئيس الوزراء البلجيكي، بارت دي ويفر، بأن موسكو، التي اعتبرت الخطة «سرقة»، سترد بالمثل، وأن المحاكم في الدول الموالية لروسيا، كالصين، قد تأمر بمصادرة الأصول البلجيكية.

ولأسابيع عدة، صمد دي ويفر، مقاوماً ضغوطاً شديدة، لاسيما من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ومواطنها المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، اللذين كانا يعتبران «قرض التعويضات» الخيار الأول، دون أي خيار بديل.

وربما لاقى البديل المشترك، أي الاقتراض المشترك، استحسان بعض دول جنوب الاتحاد الأوروبي، لكنه قوبل بمعارضة شديدة من برلين وحلفائها الأوروبيين الشماليين «المقتصدين»، الذين لم يرغبوا في تحمل المزيد من الديون عن الدول الأعضاء المثقلة بالأعباء أصلاً.

وحتى بداية قمة الاتحاد الأوروبي، بدا القادة والدبلوماسيون على يقين بأن دي ويفر، الذي ارتفعت شعبيته محلياً، سيرضخ. وبدلاً من ذلك، طالب بدعم نقدي غير محدود من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حال أي مطالبة روسية.

وكان هذا الطلب مبالغاً فيه. وهكذا، وبدعم أساسي من رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، ودعم متزايد من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، انتصرت الخطة البديلة، وتم استخدام الأموال الاحتياطية في ميزانية الاتحاد الأوروبي كضمان لقرض جماعي لأوكرانيا.

وجرى تجاوز الاعتراضات على اشتراط الإجماع في بديل سندات اليورو، في خطوة تاريخية ذات آثار بعيدة المدى، من خلال الحصول على دعم المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، الدول المتشككة في الاتحاد الأوروبي، مقابل إعفاء من بعض الشروط.

وكانت النتيجة بالغة الأهمية لأوكرانيا، التي ستحصل أيضاً على أموالها التي هي في أمس الحاجة إليها، في وقت أقرب مما كانت عليه الحال في الخطة الأصلية. وقد شكل ذلك خسارة سياسية لفون دير لاين وميرتس، على الرغم من أن المستشار الألماني أعرب عن سعادته بالاتفاق.

وكان ذلك انتصاراً لدي ويفر المبتهج، الذي صرّح بأن «العقلانية قد انتصرت»، وأن «صوت الدول الأعضاء الصغيرة والمتوسطة الحجم له وزنه»، ونبأ ساراً لرؤساء الوزراء المتشككين في الاتحاد الأوروبي، فيكتور أوربان، وأندريه بابيش، وروبرت فيكو.

وبإمكانهم العودة إلى ديارهم والتباهي أمام قواعدهم الشعبوية بأن دافعي الضرائب في المجر، وجمهورية التشيك، وسلوفاكيا على التوالي، لن يكون مطلوباً منهم دفع أي شيء للدفاع عن أوكرانيا.

وكشف اتفاق يوم الجمعة الماضي مجدداً عن الانقسامات العميقة التي غالباً ما تعيق عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وأكد الطريق الطويل الذي لايزال أمامه لبناء أوروبا موحدة بالكامل قادرة على العمل بفعالية وحسم في عالم معاد.

لكن «التكتل» تمكن من التوصل إلى اتفاق لهدف بالغ الأهمية، بل ربما يكون قد وجد، كما أشار المحللون، مساراً جديداً للمضي قدماً. ووصف غونترام وولف، من مركز «بروجيل» للأبحاث الاقتصادية، هذا الاتفاق بأنه «صفقة ضخمة للاتحاد الأوروبي».

وقال: «إذا أردت تطبيق سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي، فأنت بحاجة إلى موارد الاتحاد الأوروبي وديونه. وقد وفى المجلس الأوروبي بهذا الوعد». وأضاف أن القمة مثلت أيضاً، بشكل لافت، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ قرار بشأن ديون جديدة للاتحاد الأوروبي دون إجماع.

واتفق ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي، على أن الاتفاق «غير مسبوق». وقال إن «السماح للدول الراغبة في المضي قدماً لم يُجرب من قبل في الاقتراض المدعوم من ميزانية الاتحاد الأوروبي، مع مشاركة انتقائية في المسؤولية الجماعية».

وتساءل الخبير من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، جيريمي كليف: «الديون دون إجماع.. هل هذا هو التوجه طويل الأمد للموارد الأوروبية المشتركة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تُسجل (قمة الخميس) كعلامة فارقة». عن «الغارديان»

. بعد مفاوضات طويلة ومضنية استمرت 16 ساعة، وافق قادة الاتحاد الأوروبي، على تمويل أوكرانيا، التي كانت تواجه خطر نفاد أموالها بحلول أبريل المقبل، بقرض بالغ الأهمية بقيمة 90 مليار يورو.

شاركها.