يُعد متحف العطور في دبي، المعروف أيضاً باسم بيت العطور، ضمن متحف الشندغة التاريخي، من أبرز المؤسسات الثقافية التي تمزج بين التراث الحي والتجربة الحسية المعاصرة، إذ لا يقتصر دوره على تسليط الضوء على المعروضات التاريخية فحسب، بل يُقدّم رؤية متكاملة عن العلاقة العميقة بين الإنسان وروائح الحياة على مدى قرون، وتجسد كيف شكّل العطر جزءاً أصيلاً من الحياة الاجتماعية والثقافية في منطقة الخليج.

واختير المَعلَم من بين المواقع التي اعتمدها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، ضمن مشروع حماية المواقع والأبنية التراثية الحديثة في دبي.

ويقع بيت العطور في حي الشندغة التاريخي، وهي منطقة بدأت دبي منذ سنوات في الحفاظ عليها كموقع تراثي حيوي يعكس أسلوب الحياة التقليدية قبل الطفرة العمرانية الحديثة، وجاء إنشاء المتحف في سياق جهود الإمارة لتعزيز الوعي بتراثها الثقافي الأصيل والحفاظ على مكوناته، وافتُتح بعد تحويل منزل الشيخة شيخة بنت سعيد بن مكتوم آل مكتوم، إلى مساحة ثقافية تعرض تاريخ صناعة العطور واستخداماتها في الحياة التقليدية.

ويرتبط اسم بيت العطور بشخصية الشيخة شيخة بنت سعيد، التي كانت من أوائل المهتمات بجمع العطور التقليدية، ولعب بيتها دوراً مهماً في توثيق تلك الحضارة الحسية عبر مجموعة من المقتنيات والأدوات، واستوحي إنشاء المتحف من هذا الاتجاه، ليكون مكاناً يحافظ على الموروث الثقافي المرتبط بالعطور، ويطرحه أمام الزوار من داخل الإمارات وخارجها بشكل يتناغم مع معايير المتاحف الحديثة.

ارتباط بالضيافة

العطر في الثقافة الإماراتية والخليجية كان دائماً أكثر من مجرد رائحة؛ فقد ارتبط بالضيافة والكرم، وكان جزءاً من مراسم الاستقبال والاحتفاء؛ حتى أصبح استخدام «البخور» و«العود» من طقوس الترحيب التي تُمارَس في المناسبات الاجتماعية والرسمية، والهدف من متحف العطور هو إعادة سرد هذا التراث، ليس فقط من خلال القطع الثابتة، ولكن أيضاً عبر التجارب الحسية التي تُمكّن الزائر من التعرّف إلى الروائح والمكوّنات التي شكّلت أساس صناعة العطور التقليدية.

ومن بين المعروضات التاريخية في بيت العطور أدوات ومباخر قديمة تُظهر طرق استخراج الزيوت العطرية وخلطها، إلى جانب ما يشكّل مجموعة تاريخية ثمينة من المواد الخام مثل العنبر واللبان والعود، ومن أبرز القطع ما يُعرف بالمبخرة الأثرية التي تعكس عهد الاستخدام العميق للعطور في المنطقة، كما يُبرز المتحف أيضاً عوداً ضخماً يُعَد من المعروضات اللافتة، وكان جزءاً من مجموعة الشيخة شيخة الشخصية، ما يُظهِر حجم الاهتمام الذي أولاه الناس لهذا الفن عبر الأجيال.

ويضم بيت العطور أكثر من 70 من المقتنيات، أبرزها مبخرة يعود تاريخها إلى 3000 عام، حيث اكتشفت في موقع «ساروق الحديد الأثري» بدبي.

تجربة متكاملة

ويسعى بيت العطور إلى أن تكون زيارته رحلة متكاملة، إذ تُرافق المعروضات شروحات مرئية وسمعية تُعرّف الزائر إلى أصل المكونات وطرق استخدامها في الماضي، كما تنظم إدارة المتحف ورش عمل تعليمية وجلسات تفاعلية خلال مواسم معينة، تقدّم للزائر فرصة التأمل في فن العطور التقليدية وتجرّبتها بشكل عملي، فضلاً عن تبيان كيفية اندماج هذا الفن في الهوية الثقافية الإماراتية.

وأصبح بيت العطور منذ افتتاحه محطة مهمة ضمن متحف الشندغة، في إطار مشروع صون التراث الذي يحافظ على المباني القديمة ويعيد تنشيطها بوظائف ثقافية تعليمية في دبي، وزاد الاهتمام به مع تزايد الوعي العالمي بالتراث غير المادي، خاصة الحِرَف التقليدية مثل صناعة العطور التي تُعد جزءاً حيوياً من التراث العربي.

وتعد زيارة بيت العطور في دبي اليوم تجربة ثقافية حسّية متميزة، إذ تعيد الزائر إلى أجواء سابقة من الحياة اليومية، حيث كانت الروائح جزءاً لا يتجزأ من الفضاء الأسري والاجتماعي، ومازال هذا التراث يُحتفى به في قلب مدينة عصرية تنظر بثقة إلى المستقبل، ويعكس المتحف أيضاً دور المرأة في نقل المعرفة والحفاظ على التراث، فقد كان للشيخة شيخة بنت سعيد دور بارز في تثبيت إرث صناعة العطور التقليدية وجمعها، ليتم تقديمه اليوم لجمهور واسع من المهتمين بالتراث والثقافة والحواس.


جذور تاريخية

يقف بيت العطور في دبي علامة بارزة على خريطة المتاحف التي تحتفي بالتراث الحسي، إذ تجمع بين الماضي والحاضر في تجربة واحدة، وتروي قصة الروائح التي رافقت الإنسان عبر الأزمنة، حاملة في طياتها معاني عميقة للضيافة، والجمال، والتواصل بين الثقافات، فإذا كانت دبي معروفة بطابعها المعاصر وأفقها العمراني الشاهق، فإن بيت العطور يذكّر بأن في جذورها التاريخية عبقاً لا يقل أهمية عن أي إنجاز حديث، وأن التراث الثقافي يمتد ليواكب العصر بطرق إبداعية تُعلي من قيمة الوعي بالهوية.

. 3000 عام، عُمْر المبخرة التاريخية التي يعرضها المتحف.

. 70 من المقتنيات بين جنبات المكان.

. بيت العطور، منذ افتتاحه، محطة مهمة في إطار مشروع صون التراث الذي يحافظ على المباني القديمة.

. الهدف من المتحف إعادة سرد تراث عريق، ليس فقط من خلال القطع الثابتة ولكن عبر التجارب الحسية.

شاركها.