انتهى نزاع عائلي شائك بين أب وابنه أمام المحكمة المدنية الابتدائية في دبي، بحكم قضى بصحة اتفاقية تسوية وتنازُل، أعادت إلى الأب ملكية حصص وأصول تجارية ووسائل بحرية وسيارات وأرقام لوحات، بعدما كان الابن قد سجّلها باسمه الشخصي، ثم نقل بعضها إلى أطراف أخرى «من دون تفويض أو موافقة صاحب الحق»، بحسب ما أثبته الحكم، الذي رفض اتهامات من جانب الابن بأنه لم يوقع إلا على الورقة الأخيرة من اتفاقية التسوية الورقة الأخيرة، وأن بقية الصفحات تم استبدالها لاحقاً، فيما تعرض للإكراه والغبن والتزوير.

القضية بدأت حينما لجأ الأب إلى القضاء، طالباً الحكم بصحة ونفاذ اتفاقية إقرار وتسوية يقر فيها الابن بأن الأصول والحصص والوسائل البحرية والسيارات وأرقام اللوحات، الواردة في الاتفاقية، تعود ملكيتها للأب، وأن الابن كان قد سجلها باسمه وباسم الغير من دون تفويض، إضافة إلى مطالبته بالتنازل الكامل عنها وإعادتها لصاحب الحق.

الأب طلب من المحكمة أن يكون الحكم بمثابة سند رسمي صالح لاعتماده أمام دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، وهيئة الطرق والمواصلات، وبلدية دبي، والمصرف المركزي والبنوك والجهات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، لاستكمال إجراءات نقل الملكية، مع إلزام الابن بالرسوم والمصاريف الإدارية اللازمة.

دعوى متقابلة

من جهته بادر الابن، عبر وكيله، إلى تقديم دعوى متقابلة، طالب فيها بإبطال اتفاقية التسوية من عدّة أوجه؛ إذ زعم أنه وقّع تحت الإكراه، وتعرّض للغش والتغرير والغبن، وطعن على الاتفاقية بالتزوير «صلباً»، بحجة أنه لم يوقع إلا على الورقة الأخيرة، وأن باقي الصفحات تم استبدالها لاحقاً.

الابن أكد في مذكراته أنه لم يوقع على كل أوراق الاتفاقية، وإنما وضع توقيعه على آخر صفحة فقط، مدعياً أن هذه الصفحة نُزعت من اتفاق سابق لتُلحق بمستند مختلف المحتوى، يسلبه، بحسب قوله، جميع أمواله ومصادر دخله «بطريقة غير مشروعة» ويجرده من أي منفعة، ما يجعل سبب الالتزامات منعدماً ويُبطل المستند برمته.

كما قدم حافظة مستندات تضم محادثات «واتس أب» حاول من خلالها دعم موقفه إلا أن المحكمة طالعتها ولم تجد فيها ما ينهض دليلاً كافياً على ما يدعيه من إكراه أو غش أو تزوير.

وبعد نظر الدعويين الأصلية والمتقابلة، طبقت المحكمة قاعدة قانونية مستقرة مفادها أن المحرر العرفي يُعد صادراً ممن وقّعه ما لم ينكر صراحة التوقيع أو الختم أو البصمة، وبما أن الابن لم ينكر توقيعه على الصفحة الأخيرة، بل أقر به، فإن الورقة تظل حجة عليه ما لم يثبت قانوناً انفصال هذه الصفحة عن باقي المستند.

وأفادت المحكمة بأنه تبين بفحص أصل اتفاقية التسوية أنها مكوّنة من خمس صفحات مطبوعة ومرقمة، تتسلسل فيها البنود من الأولى حتى الأخيرة في اتساق منطقي لمضمون الإقرار، وتنتهي بتوقيع الابن والشهود في نهاية الصفحة الخامسة، دون أي قرائن على «لصق» أو استبدال صفحات كما زعم.

ولأن الابن لم يقدم أي دليل فني أو مادي يثبت أن الصفحة الموقعة قد نُزعت من مستند آخر أو ألحقت باتفاقية مختلفة، فقد رأت المحكمة أن ادعاءه بالتزوير لا يعدو كونه قولاً مرسلاً، وقضت برفض الطعن بالتزوير، وتغريمه ثلاثة آلاف درهم، عملاً بنص قانون الإثبات.

لا إكراه ولا غش

وفي ما يتعلق بادعاءات الإكراه، استندت المحكمة إلى تعريف الإكراه المفسد للرضا في قانون المعاملات المدنية، والذي يشترط وجود تهديد جِدّي بخطر جسيم محدق بالنفس أو المال، أو وسائل ضغط لا قبل للمتعاقد باحتمالها، تدفعه إلى القبول بما لم يكن ليقبله اختياراً.

وبمطالعة أوراق الدعوى، لم تجد المحكمة أي دليل على أن الأب مارس على الابن تهديداً مادياً أو معنوياً يجبره على التوقيع، أو أنه استعمل وسائل قهرية تسلبه حريته في الاختيار، فرفضت طلب بطلان التسوية للإكراه.

وبشأن الغش والتغرير والغبن، ذكّرت المحكمة بأن مجرد الكذب لا يكفي للتدليس ما لم يكن من شأنه أن يمنع الطرف الآخر من استجلاء الحقيقة، وأن الغبن الفاحش لا يُعتد به إلا إذا اقترن بوسائل احتيالية تدفع المتعاقد إلى إبرام عقد ما كان ليبرمه لو علم بحقيقة الوقائع. وبما أن الأوراق خلت من أي حيلة احتيالية أو واقعة تدليس ملموسة، ورأت المحكمة أن الابن كان بوسعه قراءة بنود التسوية بتروٍّ قبل التوقيع، فقد رفضت كذلك ادعاءات الغش والتغرير والغلط في المحل.

التسوية نافذة

وبعد أن حسمت المحكمة الدفوع الشكلية والموضوعية في الطلب العارض (الدعوى المتقابلة)، انتقلت إلى أصل الدعوى، وذكّرت بمبادئ قانونية راسخة، أهمها أن العقد ينعقد بتلاقي الإرادتين على إحداث أثر قانوني، وأن العقد الصحيح غير المشوب بعيب رضا، والذي لا يخالف النظام العام، يصبح شريعة للمتعاقدين، يلتزم كل منهما بتنفيذه بحسن نية.

وبناءً على ما ثبت من أن الابن وقّع بإرادته الحرة على اتفاقية التسوية، مقراً فيها بأن الأصول والحصص والوسائل البحرية والسيارات واللوحات موضوع النزاع تعود ملكيتها للأب، ومعلناً تنازله عنها لصالحه، دون أن يثبت أي عيب من عيوب الرضا، اعتبرت المحكمة أن الاتفاقية صحيحة وملزمة.

ومن ثمّ استجابت لطلب الأب وقضت بصحة ونفاذ اتفاقية التسوية، بما يترتب على ذلك من آثار قانونية، وفي مقدمتها أحقية المدعي باتخاذ الحكم كسند رسمي لدى الجهات المختصة لنقل ملكية الأصول والحصص والمركبات وأرقام اللوحات والوسائل البحرية إلى اسمه.

• المحكمة رأت أن الابن كان بوسعه قراءة بنود التسوية بتروٍّ قبل التوقيع، ورفضت ادعاءات الغش والتغرير.  

شاركها.