تراكمت تبعات فضيحة الفساد التي عصفت بحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل كبير، لتطغى على موجة التفاؤل التي أثارها الثناء الأوروبي على التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ففي 12 نوفمبر الجاري، تقدم وزيرا الطاقة والعدل باستقالتهما، وذلك قبيل بدء تحقيق واسع النطاق في قطاع الطاقة.
ووجهت هيئة مكافحة الفساد الأوكرانية اتهامات لثمانية مسؤولين بتهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة، وتلقي الرشى، وتحقيق ثراء غير مشروع، ما شكل ضربة موجعة لإدارة زيلينسكي في وقت تخوض فيه أوكرانيا معارك صعبة على الجبهات العسكرية.
وفي الوقت ذاته، كانت المفوضية الأوروبية قد نشرت تقريرها السنوي الخاص بتقييم مسيرة أوكرانيا نحو العضوية، والذي جاء متفائلاً للغاية، قبل أيام فقط من أن تظهر اتهامات الفساد التي طالت مستويات حكومية رفيعة.
وكانت أوكرانيا حصلت على صفة الدولة المرشحة للاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات، عقب الحرب الروسية، لتبدأ بعدها مفاوضات الانضمام في ديسمبر 2023. وبينما لاتزال الحرب مشتعلة، كانت كييف قد حققت تقدماً أكبر نحو الانضمام للاتحاد، مقارنة مع بعض دول البلقان التي حظيت بسلام كامل لعقد من الزمن.
إشادة
ووفقاً لتقرير الاتحاد الأوروبي، فقد حققت أوكرانيا تقدماً ملحوظاً في الفصول الـ33 الخاصة بمفاوضات الانضمام. واعتبر الخبير السياسي الألماني في جامعة بيرمنغهام، ستيفن وولف، أن هذا التقدم «إنجاز كبير»، خصوصاً أن التقرير لم يسجل أي ركود أو تراجع في أي من الفصول.
كما حددت أوكرانيا هدفاً طموحاً، يتمثل في إتمام عملية الانضمام بحلول عام 2028، فيما وصفت مفوضة التوسيع الأوروبية، مارتا كوس، احتمال عضوية أوكرانيا بأنه «مرتفع جداً» حتى بحلول عام 2030.
وأشادت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بشجاعة الإصلاحات الأوكرانية، مؤكدة أنه لا توجد دولة مرشحة نفذت إصلاحات بالسرعة ذاتها في ظل ظروف حرب.
لكن هذه الإشادة تراجعت حدتها عند التطرق إلى سيادة القانون، والإصلاح الإداري، ونضج المؤسسات الديمقراطية. فقد حذر الاتحاد الأوروبي من «التوجهات السلبية» خلال الفترة الأخيرة، بما في ذلك الضغوط التي مورست على الوكالات المتخصصة في مكافحة الفساد وعلى المجتمع المدني، في إشارة إلى محاولة الحكومة، الصيف الماضي، تقييد صلاحيات مكتب مكافحة الفساد المستقل.
ومع بروز فضيحة الفساد الجديدة، بدا واضحاً أن أمام أوكرانيا مساراً أطول وأكثر تعقيداً مما تظهره تقارير التقدم، كما أن مسار الإصلاحات لايزال هشاً.
وضع متدهور
وتتجاوز التحديات مسألة الفساد لتطال الوضع العسكري والاقتصادي المتدهور. فالجيش الأوكراني لايزال في وضع دفاعي على الجبهات، ومدن كاملة تعاني انقطاع الكهرباء والتدفئة.
ويظل الشرط الأساسي لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو استعادة أوكرانيا لجميع أراضيها من روسيا، بعيد المنال، ما يعني أن العضوية الكاملة ستبقى، في الوقت الراهن، أقرب إلى الاحتمال النظري منها إلى الواقع العملي.
ويرى الأستاذ في جامعة أوديسا الوطنية، وولف وتيتيانا ماليارينكو، أن تقرير بروكسل الأخير، رغم نبرته الإيجابية، إلا أنه يحتوي على انتقادات حادة. فقد أشار التقرير، الذي صدر قبل أيام من «تفجر» فضيحة الفساد، إلى أن «التطورات الأخيرة تلقي بظلال من الشك على التزام أوكرانيا بمسار مكافحة الفساد».
ومع ذلك، سعت المفوضية الأوروبية إلى الدفاع عن كييف، مؤكدة أن الفساد ليس حكراً على دولة دون أخرى، وأن العبرة تكمن في كيفية التعامل معه.
وقال متحدث باسم المفوضية إن التحقيقات الجارية دليل على أن أجهزة مكافحة الفساد «تعمل بشكل فعال»، مضيفاً: «لطالما كانت مكافحة الفساد مسألة أساسية لتوسيع الاتحاد الأوروبي، وهي تتطلب جهوداً متواصلة لضمان قدرة قوية على مكافحة الفساد واحترام سيادة القانون».
عقبات
ومع ذلك، تبدو العقبات التي تعترض احتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول 2030 أكبر من أن يتم تجاهلها. فمنذ عام 2014 لم ينضم أي عضو جديد للاتحاد، كما يسود التردد لدى العديد من دول أوروبا تجاه توسيع الاتحاد ليشمل دولاً مثل الجبل الأسود وألبانيا، ناهيك عن أوكرانيا ومولدوفا.
وتبدو فرنسا على وجه الخصوص متشككة بشأن التوسع شرقاً، خوفاً من استغلال اليمين المتطرف للقضية في انتخابات 2027.
كما تظهر استطلاعات الرأي أن 46% من سكان النمسا وفرنسا والتشيك يعارضون التوسع، بينما ترفض سلوفاكيا، وربما التشيك، انضمام أوكرانيا.
وحتى في بولندا، حيث يفترض وجود دعم أكبر، أظهرت الاستطلاعات معارضة شعبية للانضمام الأوكراني، خصوصاً بسبب الخلافات الأخيرة حول الصادرات الزراعية.
وفي ألمانيا، يتصدر حزب «البديل لأجل ألمانيا»، المؤيد لروسيا، المشهد بين من يرفضون عضوية أوكرانيا.
أخطاء الماضي
ويرى منتقدون أن إبداء الاتحاد الأوروبي تفاؤلاً مبالغاً فيه تجاه أوكرانيا، دون قدرة فعلية على دعمها، قد يكون تكراراً لأخطاء الماضي. فحتى بعد أن منح الاتحاد أوكرانيا إشارات إيجابية بشأن العضوية المستقبلية، عادت مفوضة التوسيع الأوروبية، وقالت في مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز» إنها لا تريد أن تُذكر باعتبارها من سمح بدخول «حصان طروادة» إلى الاتحاد، في إشارة إلى التجربة السلبية مع المجر.
ويعتقد الصحافي السلوفاكي، إليس غوبي، أن الاتحاد الأوروبي يواجه مهمة شاقة، حيث عليه أن يبرهن للرأي العام المتشكك أن انضمام أعضاء جدد سيقوي الاتحاد بدلاً من إضعافه.
وتزداد الشكوك عندما يتضح أن الاتحاد غير قادر حتى على ضمان تمويل أوكرانيا خلال السنوات المقبلة. فقد حذرت مجلة «الإيكونوميست» من أن أوكرانيا تواجه «عجزاً تمويلياً كبيراً»، وقد تستنفد احتياطاتها بحلول فبراير المقبل، بينما تحتاج إلى نحو 61 مليار دولار لتغطية عجز ميزانيتها حتى عام 2027، في ظل انسحاب الإدارة الأميركية من دعم كييف، ومع استمرار الحرب، في وقت تعارض فيه بلجيكا استخدام الأصول الروسية المجمدة بالنظر إلى أن بلجيكا تحتفظ بهذه المليارات في بروكسل. عن «فورين بوليسي»
انضمام تدريجي
قال المؤرخ في جامعة ريغنسبورغ الألمانية، أولف برونباور، إن التجارب السابقة في غرب البلقان أثبتت أن تقديم وعود كبيرة دون تنفيذ في ما يخص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يولّد إحباطاً، ويغذي صعود اليمين المتطرف، في إشارة إلى التطورات السلبية في مقدونيا الشمالية. ولذلك دعا إلى التفكير في شكل جديد وأكثر مرونة من العضوية الكاملة، وهو «الانضمام التدريجي»، خصوصاً أن أوكرانيا تعامل فعلياً كعضو في العديد من المجالات. ورغم أن هذا الطرح لا يرقى إلى ما يسعى إليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يعتبر عضوية الاتحاد الأوروبي هدفاً استراتيجياً يوفر ضمانات سياسية ودفاعية لبلاده، إلا أنه قد يشكل خياراً وسطاً معقولاً يُبقي أوكرانيا ضمن الفضاء الأوروبي، ويؤكد أن تضحياتها في الحرب لن تذهب سدى.
. فضيحة الفساد طغت على موجة التفاؤل التي أثارها الثناء الأوروبي على التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في مسار الانضمام للاتحاد.
