أصدرت الإماراتية عائشة مصبح عبدالله المعمري، استشارية طب الطوارئ والعناية المركزة، والحاصلة على بكالوريوس في القانون، أول دليل عملي تطبيقي لشرح قانون المسؤولية الطبية الإماراتي، مؤكدة أن الإلمام بالقانون لم يعد خياراً ثانوياً أمام الأطباء والممارسين الصحيين، بل ضرورة تحمي الطبيب والمريض في آنٍ واحد، وتضمن ممارسة مهنية آمنة ومنصفة، في ظل ما تشهده الدولة من تطور متسارع في قطاع الرعاية الصحية واتساع نطاق الخدمات.
وأوضحت المعمري (أول طبيبة إماراتية متخصصة في طب الطوارئ والعناية المركزة) لـ«الإمارات اليوم» أن فكرة إعداد دليل قانوني للأطباء وهو الأول من نوعه جاءت مع التحاقها بدراسة القانون عام 2021، بعد أن لاحظت وجود فجوة واضحة في التواصل بين الممارسين الصحيين والقانونيين في فهم طبيعة عمل كل طرف، مشيرة إلى أن الأطباء يمتلكون معرفة طبية دقيقة، لكن كثيرين منهم يفتقرون إلى الإلمام بالقوانين التي تحكم مهنتهم، بينما يواجه القانونيون صعوبة في تفسير التفاصيل الإكلينيكية التي تُبنى عليها القضايا الطبية.
وأضافت أن هذه الفجوة ليست في المعرفة فقط، بل في لغة التواصل نفسها، فالقانون له مصطلحات ومفاهيم خاصة قد يصعب على الطبيب استيعابها، وهو ما دفعها إلى إعداد دليل مبسط يقرّب المفاهيم القانونية إلى الممارس الصحي، ويمنح القانوني فهماً عملياً لطبيعة العمل الطبي.
ويأتي هذا العمل ضمن مؤلفها «دليلك لفهم قانون المسؤولية الطبية»، الذي يُعد مرجعاً للأطباء والقانونيين، مدعوماً بأحكام قضائية توضح الناحية التطبيقية للتشريع، ليكون بذلك المرجع التطبيقي الشامل الوحيد من نوعه في الدولة، المدعوم بأحكام واقعية من محاكم الإمارات، والمؤلف من طبيبة وقانونية في الوقت ذاته.
ومن بين الأحكام القضائية الإماراتية التي وثقت بها التطبيق العملي لقانون المسؤولية الطبية، قضية جزائية في أبوظبي (589/2014) أدين فيها ممارس صحي بخطأ جسيم، وحُكم عليه بدفع دية بلغت 800 ألف درهم، مع إلزام شركة التأمين بسداد المبلغ تطبيقاً للمرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016، الذي يُعدّ من التشريعات السباقة في الشرق الأوسط في إلزام المؤسسات الصحية بالتأمين ضد المسؤولية المدنية عن الأخطاء الطبية.
كما تضمن حكماً آخر لمحكمة دبي أدينت فيه طبيبة وعيادة لنشر صور مريضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون إذنها، حيث قضت المحكمة بتغريم كل منهما 5000 درهم وتعويض المريضة بـ100 ألف درهم.
وأضافت أنها واجهت تحدياً في تبسيط النصوص القانونية دون الإخلال بجوهرها، فاختارت منهجاً يبدأ بشرح الإطار العام للقانون ومصادره قبل الانتقال إلى مواد قانون المسؤولية الطبية الإماراتي، ثم عرض تطبيقات واقعية وأحكام قضائية لتوضيح كيفية تطبيق النصوص، مشيرة إلى أن هذا التدرج جعل الدليل يجمع بين النظرية والممارسة، ليساعد الطبيب على فهم النصوص القانونية واستيعابها بطريقة مبسطة وعملية.
وأوضحت أنها اعتمدت في تحليل مفهوم الخطأ الطبي على مقاربة تجمع بين الفقه الإسلامي وفقه القانون المدني، مشيرة إلى أن الفقه الإسلامي يميز بين الفعل العمدي والخطأ الناتج عن الإهمال، في حين يربط القانون المدني الخطأ بإخلال المكلف بواجب الحيطة والرعاية، مؤكدة أن قانون المسؤولية الطبية الإماراتي يميّز بوضوح بين الخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم، ويحدد المسؤولية المترتبة على كلٍّ منهما بما يتيح تقييماً عادلاً لسلوك الطبيب وفق معايير مهنية موضوعية.
وترى أن قانون المسؤولية الطبية الإماراتي حقق توازناً واضحاً بين حماية المريض وضمان حقوق الطبيب، من خلال اشتراط عرض الشكاوى على لجان مختصة قبل اتخاذ أي إجراء قانوني، بما يضمن التقييم العادل ويمنع الملاحقة القانونية غير المبررة لممارس المهنة، مضيفة أن ضعف الوعي القانوني لايزال من أبرز التحديات التي تواجه الأطباء، خصوصاً في ما يتعلق بعقود التأمين المهني وآليات التعامل مع الشكاوى، داعية إلى إنشاء قنوات استشارة قانونية متخصصة تتيح للأطباء الحصول على الدعم القانوني بمجرد تعرضهم لشكوى خطأ طبي، وقبل وقوع النزاع وليس بعده فقط.
