أكد قانونيون ومختصون في مجال حماية الطفل، أن منصات التواصل الاجتماعي – التي تنشر وتُروّج التحديات الخطرة عبر «تريندات» تشجع على تجربتها وتقليدها، وتنتهي بحادث مأساوي بحق أحد الأطفال، سواء بالإصابة أو الوفاة – تتحمّل مسؤولية مدنية وقانونية أمام القضاء، مشيرين إلى أنه يمكن لذوي الضحايا – أمام محاكم الدولة – مقاضاة المنصة التي شاهد عليها الطفل مقاطع الفيديو الخطرة، وطلب التعويضات على ما ترتب عليه من تقليد محتواها.

وبدأت التحديات على وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات قليلة، لأهداف سامية، حيث ظهر تحدي «دلو الثلج»، الذي يقوم المتحدي فيه بسكب وعاء من الماء المثلج فوق رأسه، أو يتبرع بـ100 دولار لمصلحة حملة تهدف إلى نشر الوعي بمرض التصلب العضلي الجانبي، وتخصص التبرعات لمكافحته.

ثم ظهر أخيراً توجّه جديد للتحديات يتسم بالمجازفة والخطر، ويعرّض المشاركين للإصابة أو فقدان حياتهم، وأسهم في نشرها مجموعة من مشاهير التواصل الاجتماعي، بغرض زيادة عدد المتابعين، وزيادة أرباحهم من إعلانات التواصل الاجتماعي.

ونشرت «الإمارات اليوم»، أخيراً، خبراً عن إصابة طفلة مواطنة بحروق بليغة، بعدما حاولت تقليد مقطع متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر اشتعال دمية ضمن ما يُعرف بـ«تريند الدمى الشريرة». وأدى الحادث إلى إصابتها بحروق امتدّت من الصدر إلى الظهر والبطن، واستدعت علاجاً مطوّلاً استمر أكثر من شهرين.

وفي حادثة مأساوية أخرى، توفيت فتاة أميركية تبلغ 19 عاماً، بعد أيام من دخولها وحدة العناية المركزة، إثر مشاركتها فيما يُعرف بـ«تحدي الهافنغ» المنتشر عبر تطبيق «تيك توك»، والذي ينطوي على استنشاق مواد كيميائية خطرة، تؤدي إلى أضرار صحية مميتة.

ووفقاً لما نقلته وسائل إعلام أميركية، فقد تعرّضت رينا أورورك – وهي طالبة جامعية من ولاية كولورادو – لتلف دماغي حاد، بعد استنشاق بخار من عبوة منظف إلكتروني يُستخدم عادة لتنظيف لوحات المفاتيح، استجابة لما وصفته عائلتها بـ«ضغط الأقران» للمشاركة في التحدي.

وفي محاولة للمشاركة في تحدي «بيرد بوكس»، قادت فتاة أميركية سيارتها، وهي معصوبة العينين، فاصطدمت بسيارة أخرى. ولتنفيذ التحدي، على المشارك فيه تعصيب عينيه والتحرك بشكل طبيعي، أسوة بفيلم «بيرد بوكس» أو «صندوق الطيور» الذي عرضته شبكة «نتفليكس».

كما ظهر تحدي رقصة «الكيكي» التي يترجّل فيها السائق من سيارته أثناء سيرها ويبدأ الرقص بجوارها، بينما تتحرك السيارة، وتم فرض عقوبات في بلدان عدة على من يُقدم على فعلها.

وظهر تحدٍّ أُطلق عليه «تحدي كتم النفس»، وأدى إلى وفاة عدد من الأطفال بسبب مشاركتهم في التحديات الخطرة، حيث يُحاول الشخص حبس نَفَسه حتى يُغمى عليه، بهدف الشعور المؤقت بالنشوة. ووقعت حوادث متفرقة حول العالم نتيجة قيام مراهقين وأطفال بتقليد ممارسات خطرة، تحت مسمى «تريندات» منتشرة على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وأدت إلى وفاة وإصابة عدد منهم.

وأكدت شرطة دبي خطورة تقليد مقاطع الفيديو المتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بـ«تريند حرق الدمى الشريرة»، داعية أولياء الأمور إلى مراقبة سلوك أبنائهم على الإنترنت، وتوعيتهم بالمخاطر المترتبة على تقليد «التريندات» غير الآمنة التي تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، مبيّنة أن «هذه المقاطع تستهدف في المقام الأول استقطاب المشاهدات، دون أي مراعاة لما يترتب عليها من مخاطر وعواقب كارثية، قد تنجم عن إشعال النار في مواد سريعة الاشتعال، مثل الأقمشة أو البلاستيك أو الشعر الاصطناعي المستخدم في الدمى، الأمر الذي يتسبب في اختناق أو حريق في الأماكن المغلقة».

وحول الأسباب التي تدفع بعضهم إلى تقليد وتجربة هذه التحديات و«التريندات» على وسائل التواصل الاجتماعي، قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد العموش، إن «التريند» عبارة عن حالة اجتماعية عابرة تجذب الفضوليين الذين يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي، للمشاركة فيها، سعياً منهم إلى الظهور أو التباهي الاجتماعي أو تقدير الذات.

واعتبر أن «التريند» ظاهرة اجتماعية عالمية لها سلبياتها وتأثيراتها في الشباب وحياتهم الاجتماعية، إذ ينشغلون به كنشاط روتيني يفصلهم عن حياتهم العملية وأسرهم والواقع.

ونبّه إلى أن تقليد التحديات الخطرة وتجربة «التريندات» السلبية لا يحقق أي شيء إيجابي في حياة الناس، بل بالعكس له تأثيرات وانعكاسات عدة على حياتهم الاجتماعية والأسرية، مشيراً إلى أن هناك تسويقاً لأنواع من «التريندات» تؤثر فعلاً في أنشطة الشباب، ولابد من زيادة حملات التوعية بمخاطرها والوقاية منها.

وحول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي تتحمل المسؤولية القانونية عن نشر محتوى يُروّج لفعل خطر أو تحدٍّ أدى تقليده إلى وقوع حادث مأساوي، سواء بالإصابة أو الوفاة، وهل يمكن لذوي الضحايا من الأطفال مقاضاة المنصة التي شاهدها الطفل؟ أكد المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، أنه وفقاً لقانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021، تقع المسؤولية القانونية على من أنشأ أو روّج أو شجع على الفعل الخطِر، سواء كان شخصاً طبيعياً (مستخدم أو مؤثر)، أو جهة قامت بنشر أو دعم المحتوى عمداً.

أما منصات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك» و«إنستغرام» و«يوتيوب»، فإنه على الرغم من دورها كوسيط، فإنها لم تعد مجرد ناقل للمحتوى، بل أصبحت شريكاً فعلياً في بيئة النشر، ومن ثم يكون عليها واجب رقابي وأخلاقي لحماية المستخدمين – لاسيما الأطفال والمراهقون – من الانسياق وراء تحديات خطرة قد تؤدي إلى الموت، لذلك عُني المشرّع الإماراتي بتحديد مسؤولية تلك المنصات جنائياً في حال علمها بالمحتوى الضار، وعدم اتخاذها الإجراءات اللازمة لإزالته، أو ثبوت استفادتها تجارياً من انتشاره عبر الإعلانات والمشاهدات دون رقابة حقيقية كافية، وذلك وفقاً لنص المادة 22 وما بعدها من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية.

وبالتالي، فإنه عند وقوع حادث مأساوي بسبب محتوى أو تحدٍّ خطر أدى نشره إلى وفاة أو إصابة شخص، فإن المسؤولية تكون على كل من المسؤول المباشر، وهو الذي أنشأ أو روّج أو دعا للمحتوى، والمنصة التي سمحت ببقاء المحتوى أو لم تحذفه بعد علمها بخطورته.

وفي هذه الحالات يمكن للضحية أو ذويه الإبلاغ جزائياً، إضافة إلى المطالبة بالتعويض ضد الطرفين المذكورين، إذا ثبت وجود علاقة سببية بين المحتوى المنشور والضرر.

وأشار إلى أن بعض الدول مثل الاتحاد الأوروبي – عبر قانون الخدمات الرقمية أو (Digital Services Act) – بدأت تُلزم المنصات بإزالة المحتوى الخطر بسرعة، وتقديم تقارير شفافة حول المخاطر، وكذلك توقيع غرامات ضخمة إذا لم تلتزم تلك المنصات حماية المستخدمين من التحديات والمحتوى الضار.

ولكن يبقى أن نشير إلى أن مسؤولية المنصة، سواء جنائياً أو مدنياً، بالتعويض، يتطلب إثبات علمها بالمحتوى الضار ووجود علاقة سببية مباشرة بين نشره والضرر الواقع على الضحية، سواء كان طفلاً أو مراهقاً أو بالغاً.

وأكد الشريف أن مواجهة ظاهرة التحديات الخطرة لا تقتصر على التوعية المجتمعية أو الرقابة الأسرية، بل تمتد إلى ضرورة تحمّل المنصات الإلكترونية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في حماية المستخدمين من المحتوى الضار أو المؤذي، وإدراك أن الانتشار لا يُبرر الإهمال، وأن الصمت أمام الخطر قد يُعدّ تواطؤاً في نتائجه وتبعاته.

من جانبه، حذر رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل، المستشار فيصل الشمري، من انتشار المحتوى الضار على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يُروّج له أشخاص وصفهم بالخطرين، ويشمل ذلك بشكل رئيس كل محتوى يدعو للعنف أو الإباحية والثقافة المشوهة، أو القيام بحركات وتجارب تهدّد حياة الإنسان.

وذكر أنه انتشرت خلال الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تحديات يقوم فيها أشخاص بحركات أو أفعال خطرة، مطلقين دعوات في شكل تحدٍّ للآخرين لتجربتها والقيام بها، لكن للأسف كانت النتائج مؤسفة، وأدت إلى إصابة ووفاة أشخاص حول العالم.

ولفت إلى أن الخطورة تكمن في قيام مراهقين وأطفال بتقليد هذه التحديات و«التريندات» الخطرة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي ظل غياب الرقابة الأسرية، ومتابعة الأهل لما يشاهده أبناؤهم على تلك الوسائل، تحدث الكارثة ويتعرّض الطفل إلى خطر يؤدي إلى إصابته أو وفاته.

وأشار إلى مسؤولية الأهل والأسرة تجاه حماية الطفل، إذ شدد قانون الطفل «وديمة»، على ضرورة تأمين حق الطفل في الرعاية الاجتماعية، وحمايته من العنف والإهمال والاستغلال وسوء المعاملة.

وأكد أهمية قيام الأسرة والجهات المعنية والمنصات، بمنع أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي قد يصل إلى الأطفال، ويتضمن مشاهد مسيئة أو سلبية، أو يدفعهم إلى القيام بأفعال قد تُعرّض حياتهم للخطر، وتطوير ممكنات رقابية على أي محتوى يشاهده الطفل على تلك الوسائل.

ولفت إلى أنه للأسف نجد بعض الأهالي – بغرض الشهرة وتحقيق أرباح مادية – ينساقون وراء هذه «التريندات»، بأن يصوروا مقاطع فيديو لأطفالهم وهم يأكلون مواد حارة، أو يشاركون في تحديات وألعاب خطرة، أو افتعال مواقف تمثيلية تتضمن مشاهد وعبارات غير لائقة، ولا تتناسب مع التقاليد والعادات المجتمعية، وذلك بهدف جذب أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين.

وحذّر الشمري من خطورة انتشار هذا النوع من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن استغلال الأطفال من قبل بعض الأهالي عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمر يُهدّد الاستقرار النفسي والاجتماعي للطفل، ويُعرّضه للتنمر والإساءة والابتزاز، فضلاً عن المجرمين المختصين في التغرير بالأطفال لأغراض إجرامية أو جنسية، عبر استغلالهم لإنتاج صور ذاتية.

وأكد أن المسؤولية المدنية للشركات المطورة للتطبيقات والألعاب التفاعلية، وكذلك منصات التواصل الاجتماعي وحتى الشركات المزودة لخدمات الإنترنت، تُلزمها قانوناً وعرفاً وأدباً بأهمية بناء القدرات الوقائية والإجراءات الاحترازية التي تُعزّز أمن وسلامة الطفل، وتبني المعرفة الإيجابية وممكنات الرقابة الوالدية للأسرة ككل.

• شرطة دبي دعت أولياء الأمور إلى مراقبة سلوك أبنائهم على الإنترنت، وتوعيتهم بالمخاطر المترتبة على تقليد «التريندات» غير الآمنة.

شاركها.