بين عبق الحكايات القديمة ووهج الخيال الطفولي، يواصل معرض الفجيرة لكتاب الطفل فعالياته، ليقدم للجيل الجديد تجربة تتجاوز الورق والحبر نحو فضاءٍ يحتفي بالهوية، حيث يزين الموروث الإماراتي أركان المعرض، وقد اكتسى حلة جديدة، لتتحول القيم التي كانت تروى على لسان الجدات إلى مشاهد فنية وقصص معاصرة ترويها أيدي الصغار ببراءة ودهشة، خلال المعرض الذي تستمر دورته الثانية حتى الثاني من نوفمبر المقبل في مركز دبا للمعارض بمدينة دبا الفجيرة.

وفي مشهد يجسد وعي الجيل الجديد بأهمية الكلمة ودورها في التغيير، قدم الطفل الكاتب محمد الكعبي (الصف الثالث) قراءته لقصة «أين اختفت ألعابي؟» ضمن فعاليات المعرض، برسالة تربوية وبيئية تشجع الأطفال على إعادة التدوير والاستفادة من الألعاب غير المستخدمة بدلاً من التخلص منها، في عملٍ يدمج الخيال بالمسؤولية، ويغرس قيم الإبداع في نفوس الصغار.

وقال الكعبي لـ«الإمارات اليوم»: «كنت أقدم قراءتي لقصة أين اختفت ألعابي؟ في الجناح المخصص للأطفال، وفوجئت خلال افتتاح المعرض بأن سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، جلس بين الأطفال ليستمع إلى القصة، ثم تفضل بتوقيع الكتاب الذي كنت أحمله بيدي، كانت لحظة لا تنسى بالنسبة لي، وتعكس مدى حرص قيادتنا على دعم المواهب الناشئة وتشجيع الأطفال على الإبداع والقراءة والارتباط بثقافتهم الوطنية».

وأضاف: «أشعر بالفخر لأن قصتي وصلت إلى هذا الحد، وأتمنى أن أكتب أعمالاً وقصصاً جديدة عن بيئتنا الإماراتية وعن الأشياء البسيطة التي يمكن أن تغير العالم».

وتعد مشاركة الكعبي تجربة ملهمة تعبر عن جيلٍ جديد من الكتاب الصغار الذين يرون في الأدب وسيلة للتعبير عن الذات وخدمة المجتمع، وترسخ قيم الانتماء والمسؤولية لدى الأطفال.

وشهد ركن التراث في المعرض حضوراً لافتاً خلال ورشة «من ذاكرة الجدات.. الحكايات الشعبية» التي قدمها الكاتب والباحث في التراث خالد الهنداسي، مستحضراً موروث الخير والصدق والشجاعة في قالب قصصي تفاعلي يقرب الماضي من وجدان جيل المستقبل.

وقال الهنداسي لـ«الإمارات اليوم» إن الحكاية الشعبية ليست مجرد تسلية، بل وسيلة تربوية تسهم في نقل القيم والموروث الثقافي إلى الأجيال الجديدة، مشيراً إلى أن بعض المفردات التراثية بدأت تغيب عن ذاكرة الأطفال «لأننا تركنا لهم الأجهزة أكثر مما منحناهم الحكايات».

وأضاف أن الأطفال اليوم يعرفون شخصياتٍ عالمية مثل «سندريلا» وغيرها، بينما يجهلون الحكايات الإماراتية المرتبطة بهويتهم الوطنية، موضحاً أن الورشة سعت إلى تذكيرهم بأن الأم والجدة كانتا ترويان الحكايات على سجيتهما، تضمنانها ذكراً لله وأحاديث ومواعظ بسيطة نفتقدها في هذا الجيل.

وذكر أن الورشة تناولت دور القصص التراثية في ترسيخ مفاهيم الخير والشر، إلى جانب القيم الأصيلة مثل الأمانة والصدق، كما سعى الهنداسي إلى إحياء مفردات ومفاهيم تراثية قد تغيب عن جيل الأجهزة اللوحية.

وجاءت فعالية «سنع المجالس» في اليوم الرابع للمعرض لتعرف الأطفال بعادات الضيافة وآداب المجالس الإماراتية وأسلوب الجلسة التقليدية، فيما قدمت ورشة «جدتي غبيشة» تجربة حية تستعيد دفء الماضي عبر قصص الجدات وحكمتهن، بأسلوبٍ يجمع الحنين بالتجربة الواقعية، ويغرس في الصغار معاني البر والاحترام وصون الموروث الاجتماعي.


وطن التسامح

في محطة أخرى من معرض الفجيرة لكتاب الطفل، تناولت ورشة «مدرستي متنوعة» للكاتب محمد النابلسي مفهوم التنوع الثقافي واحترام الاختلاف، مستعرضاً أمام الأطفال تجربة الإمارات في احتضان أكثر من 200 جنسية ضمن بيئة يسودها التسامح.

أما في ركن «محطة الابتكار»، فقد جمعت ورشة «رسم الشعر» بين الكلمة واللون، حين حول الشاعر محمد المتيم قصائد مختارة إلى لوحات رسمها الأطفال بأيديهم في تجربة فنية جمعت الشعر بالتشكيل، ورسخت فكرة أن الجمال الأخلاقي يمكن أن يُرى كما يُسمع.

خالد الهنداسي:

. أطفال اليوم يعرفون شخصيات عالمية مثل «سندريلا» وغيرها، بينما يجهلون حكايات مرتبطة بهويتهم.

شاركها.