ما يزال وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل ماثلا في أذهان الشعب السوري، وهو الذي حمل مسؤولية ملف بلدهم على المستوى الدولي، وكان هذا الأمر من مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة تجاه الشعب السوري.
السياسة السعودية الداعمة للاستقرار في سورية ليست جديدة، بل لها أساس تاريخي منذ الاستقلال السوري، إذ كانت اللقاءات الثنائية بين الملك الراحل عبدالعزيز والرئيس شكري القوتلي، لا تتوقف في ظل الهيمنة البريطانية والفرنسية على المنطقة، بل كانت نتيجة الجهود السورية – السعودية ولادة الجامعة العربية عام 1945، وظلت السعودية طوال سنوات الصراع في سورية الحديقة الخلفية الآمنة لسورية ضد محاولات ضمها إلى أحلاف إقليمية، وبقيت العلاقات السعودية- السورية حجر أساس في استقرار المنطقة خصوصا أن سورية كانت من أوائل الدول التي نالت الاستقلال من فرنسا لتكون في تلك اللحظة في عين العاصفة نتيجة حداثة التجربة في الحكم (كما هو الوضع الحالي)، بل كانت السعودية حريصة على ربط العلاقات سياسيا واقتصاديا وأمنيا لما للبلدين من عمق إستراتيجي، إذ تمثل السعودية نقطة الربط بين آسيا، فيما تمثل سورية نقطة الارتباط الجغرافي بأوروبا ومجاورة تركيا.
زيارة ونقطة تحول
شكلت زيارة الملك سعود إلى سورية في أبريل عام 1953 نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، إذ كان الرئيس أديب الشيشكلي حاكم سورية في تلك المرحلة، وكانت هذه الزيارة بمثابة إشارة بالغة الأهمية إلى الأطراف التي كانت تريد ضم سورية -آنذاك- إلى العراق.
ومن يقرأ الجغرافيا والتاريخ يدرك أن قدر السعودية وسورية هو التحالف على المستويات كافة، ذلك أن الخيارات الجيوسياسية للبلدين تخلص إلى نتيجة واحدة وهي أن تحالف «س – س» في إشارة إلى السعودية وسورية هو المسار الأكثر تأثيرا على المنطقة، زد على ذلك المد العاطفي بين الشعبين، وكانت مواقف الشعبين على مر العقود الماضية تثبت صحة العلاقة ونجاعتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
المسار العربي الأول
اليوم بعد وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم، كانت المملكة من أوائل الدول التي اندفعت إلى دمشق للأسباب الآنفة على مستوى العلاقات التاريخية وطبيعة التداخل في المصالح والأولويات، كانت زيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق في الأول من فبراير المسار العربي الأول الذي رسم خطوط العلاقة ببن الرياض ودمشق، وبعد هذه الزيارة اندفعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى سورية لإرسال ذات الرسالة السعودية إلى دمشق، ذلك أن مقولة «(إذا كانت دمشق بخير فالخليج بخير)، تصدرت السياسة السعودية والخليجية عموما، ولعل تجربة العراق بعد انهيار نظام صدام حسين ودخول العراق في الفوضى من أصعب الدروس التي مرت على المنطقة والذي دفعت ثمنه دول المنطقة، لذا فإن الدرس السوري اليوم هو تطبيق عملي لمبدأ التضامن العربي الذي كان من أساسيات الجامعة العربية على المستوى النظري، إذ حولته السعودية إلى نظرية قابلة للتطبيق على الحالة السورية».
توفير كل أنواع الدعم
لكن هل هذا يكفي لتكون العلاقة السعودية – السورية على الطريق الصحيح؟
لقد خرجت سورية للتو من حرب كبيرة على مدى 14 عاما، أدت إلى تمزيق سورية اجتماعيا وتدميرها اقتصاديا وتحويلها إلى ساحة صراع مليشياوية متخمة بالانفلات وانتشار السلاح، ويمكن القول إن سورية الآن بفعل سنوات الحرب وآثارها في المستوى صفر من مرحلة بناء الدولة، وهو ما جعل المملكة تدرك واقع الحال، لذا كانت كل التوصيات السعودية السياسية والاقتصادية توفير كل أنواع الدعم لسورية، لذا كان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من أول المندفعين إلى سورية لتوفير القسم الأول من الإستراتيجية السعودية وهي الدعم الإنساني، بل إن دور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان واضحا في التأثير على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في رفع العقوبات عن سورية خلال زيارته إلى الرياض وإعلانه ذلك في 14 مايو الماضي، لتدشن السعودية أول علاقة أمريكية سورية منذ الاستقلال عام 1946.
استنفار شعبي وحكومي
لكن هل يمكن للسعودية وحدها أن تحل كل قضايا التاريخ في سورية، التي عاث بها نظام الأسد الأب والابن على مدى عقود من الزمن، وهل يمكن لهذا الموقف السعودي أن يصنع الفرق ما لم تكن هناك حوامل ذهنية وإمكانات سورية لتغيير هذا المسار البعثي العبثي.!؟
إن هذه المرحلة الحالية قد تكون أصعب المراحل التي تمر بها سورية في العصر الحديث، والتي تتطلب استنفارا شعبيا وحكوميا، وقرارات حقيقية تناسب طبيعة المرحلة، بل إن طرق الحوكمة لدولة مثل سورية أهم الأساليب لتمكين مؤسسات الحكم من إثبات دورها وأهليتها وقدرتها على استيعاب الدعم في شتى المجالات، إن أي عملية دعم اقتصادية أو أمنية أو سياسية لن تأتي بالنتيجة الحقيقية المطلوية لدولة مثل سورية ما لم يكون هناك حوامل على أرض الواقع، وبالتالي فإن العمل يبدأ من الداخل لا من الخارج، فإن كانت هناك بيئة سورية ناضجة للدعم الخارجي، ذلك سيحول سورية إلى دولة استقطاب للدعم الخارجي.
الحل الأكثر جدوى
إن الاختبار الحقيقي اليوم لإرادة السوريين جميعا في إعادة بناء هذا البلد الذي اختطف عن العالم العربي منذ العام 1963، والمسؤولية أيضا على كل التيارات السورية أن تضع خبرتها أمام الدولة الجديدة، لكن تجارب الكثير من الدول تشير إلى أن التشاركية واستقطاب الخبرات وبناء الدولة على أساس المواطنة هو الحل الأكثر جدوى في الحالة السورية.
إن نجاح التجربة السعودية في سورية، يقود إلى معادلة ذهبية مفادها الأمن الإقليمي والاستقرار الاقتصادي، إنها معادلة (س- س)، التي من شأنها أن تغير شكل العلاقات العربية والإقليمية لما للسعودية وسورية من تموضع جغرافي نادر، وبالتالي فإن هذه المعادلة ستكون كيمياء الشرق الأوسط.
أخبار ذات صلة
