بدأت أوروبا تدرك ضرورة الاستعداد للحرب مع روسيا، والرد على هجمات موسكو الهجينة. ويعكس هذا التحول إدراكاً متزايداً بأن عمليات روسيا الهجينة تؤكد تقييمات الاستخبارات الألمانية بشأن الاحتمالية العالية لنشوب صراع عسكري بين أوروبا وموسكو بحلول عام 2027.

في 19 أكتوبر 2025، وفي مقابلة مع الإذاعة السويدية، صرّح وزير الدفاع السويدي، بول جونسون، بأن تكثيف العمليات الروسية الهجينة يستدعي من الدول الأوروبية الرد بحزم، والاستعداد لحرب محتملة.

ويرى جونسون أنه للحفاظ على السلام في أوروبا «يجب أن نُعد أنفسنا نفسياً وعسكرياً لاحتمال وقوع حرب».

على الرغم من إدراك معظم أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمسار موسكو نحو التصعيد الإقليمي، إلا أنهم مازالوا غير مستعدين نفسياً للمواجهة، أو حتى للتحضير المنهجي لها.

ورغم الدعوات المتزايدة على التلفزيون الرسمي الروسي لضرب وتدمير باريس ولندن وبرلين، لاتزال الحكومات الغربية تعتمد على تقييمات حقبة الحرب الباردة لاحتمال المواجهة.

ومع ذلك، فإن الاستعداد النفسي لروسيا، سواء قيادتها أو شعبها، أصبح الآن أعلى بكثير مما كان عليه خلال الحرب الباردة.

ويشجع الغرب، بتجاهله الهجمات الهجينة والتخريب وعمليات التأثير، فعلياً العدوان الروسي، وفقاً لمراقبين أوروبيين.

ضربات انتقامية

خلال الحرب في أوكرانيا، أدرك الكرملين تماماً تأخره التنموي عن الدول الغربية. وقد قوض هذا الإدراك دعاية موسكو الراسخة حول «ميزتها» المزعومة في الموارد الطبيعية.

واعتماد روسيا على الصين وإيران، وحتى كوريا الشمالية، لم يترك لها خياراً سوى الاستمرار في شن الحرب، على غرار الهجمات على الإمبراطورية الرومانية.

وأضاف جونسون: «إن تغيير العقلية أمر ضروري. يجب أن ننتقل إلى نمط الحرب من أجل الردع والدفاع والحفاظ على السلام».

وقال وزير الدفاع السويدي إن «الحوادث الأخيرة التي شملت طائرات بدون طيار وطائرات تنتهك المجال الجوي لحلف الناتو تُظهر أن روسيا مستعدة للمخاطرة السياسية والعسكرية وتكثيف عملياتها الهجينة. لذلك، يجب علينا الرد والتصدي، وتوجيه ضربات انتقامية. يجب علينا اتخاذ خطوات عسكرية جديدة للتصدي للتصعيد الروسي، سواء ضد العمليات الهجينة أو انتهاكات المجال الجوي».

وأكد جونسون على ضرورة أن تفهم روسيا أن أي استفزاز سيُقابل برد حازم. ووفقاً لوزير الدفاع السويدي، يؤيد 90% من السويديين زيادة الإنفاق الدفاعي والحفاظ على المساعدات لأوكرانيا أو توسيع نطاقها. وقال: «لقد علمنا القرب من روسيا شيئاً واحداً: السلام ليس هبة، إنه شيء يجب أن ندافع عنه كل يوم».

وبناءً على ذلك، دعا جونسون الحلفاء الأوروبيين إلى زيادة شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، وتشديد العقوبات على روسيا. ويعكس منطقه، استراتيجية أواخر الحرب الباردة، فقد أثبت استنزاف الميزانية الروسية من خلال سباق التسلح فعاليته في ثمانينات القرن الماضي.

ونظراً لأن روسيا، اليوم تعتمد كلياً على مواردها الاقتصادية المحدودة، وتفتقر إلى الإمكانات الصناعية التي كانت تتمتع بها جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، فإن مثل هذه الاستراتيجية قد تكون أكثر كفاءة وأقل كلفة بالنسبة لدول حلف شمال الأطلسي.

ودعا جونسون إلى تشديد القيود على قطاع الطاقة الروسي و«أسطول الظل»، واستخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل دفاع أوكرانيا. وقال: «عندها فقط سيدرك بوتين أن هذه الحرب تهدد سلطته ولا يمكن كسبها».

إدراك متزايد

وتعكس تصريحات جونسون إدراكاً متزايداً من أوروبا بأن روسيا تشن بالفعل حرباً هجينة ضد الغرب، مستخدمة أدوات تراوح بين الهجمات الإلكترونية والتضليل الإعلامي، واختراقات المجال الجوي، والابتزاز في مجال الطاقة.

وبالنسبة لأوروبا، خصوصاً السويد، يعني هذا أن خط المواجهة لا يمر الآن عبر دونباس (في أوكرانيا) أو البحر الأسود فحسب، بل يمر عبر قلب الغرب.

وبعد انضمامها أخيراً إلى حلف شمال الأطلسي، تتكيف السويد بسرعة مع الواقع الأمني الجديد، وتُظهر استعدادها للتفكير من منظور عسكري.

و«نمط الحرب» الذي يتبناه جونسون ليس دعوة للهجوم، بل هو «استراتيجية تعبئة»، وموقف نفسي وهيكلي يُقر بأن السلام لا يدوم إلا بالقوة.

في هذا الإطار، لا تُصبح مساعدة أوكرانيا مجرد عمل تضامني مع ضحية عدوان، بل استثماراً في أمن أوروبا نفسها.

ويربط جونسون صراحة بين مساعدة كييف والحفاظ على خط دفاعها في وجه التوسع الروسي الذي قد يهدد دولاً أخرى قريباً. وبالنسبة للسويد وحلفائها، تُعد هذه استراتيجية ردع، حيث تظهر لبوتين أن العدوان سيثير رد فعل جماعي، وليس مجرد رد فعل محلي.

وتجسّد السويد تصميماً أوروبياً جديداً، ونهاية لأوهام الحياد أو الاستقرار في وقت تسعى فيه موسكو إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بالقوة.

ويرى محللون أوروبيون أنه ينبغي أن يكون نهج استوكهولم نموذجاً يُحتذى لأعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو الآخرين، الذين يدركون أن الحفاظ على السلام يتطلب الاستعداد للحرب تقنياً وسياسياً وأخلاقياً.

أكبر تهديد

وفي صيف عام 2024، صنفت السويد رسمياً، روسيا كـ«أكبر تهديد» لأمنها القومي في وثيقة استراتيجية جديدة، واصفة الوضع الحالي بأنه «الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية». ويُشار إلى استعداد موسكو للتصعيد عسكرياً، واستخدام القوة ضد جيرانها، كمصدر قلق رئيس.

وفي عام 2025، سجلت السويد ارتفاعاً حاداً في انقطاعات نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس» فوق بحر البلطيق، التي اتهمت روسيا بالوقوف وراءها. وعرّضت هذه الأفعال الطيران المدني والنقل البحري للخطر، واعتُبرت جزءاً من العمليات الروسية الهجينة ضد شمال أوروبا.

وتُظهر هذه الحوادث نية موسكو اختبار رد فعل حلف شمال الأطلسي، واختبار يقظة حكومات دول الشمال الأوروبي والبلطيق. وفي سبتمبر، رُصدت طائرتان مسيرتان مجهولتا الهوية فوق أرخبيل «كارلسكرونا»، موطن القاعدة البحرية الرئيسة للسويد.

ووقعت حوادث مماثلة لطائرات مُسيرة في دول أوروبية أخرى، وربطتها أجهزة الاستخبارات بروسيا.

ودفعت هذه العمليات استوكهولم إلى الاستثمار في قدرات دفاعية ضد الطائرات المُسيرة، بينما سرّع الاتحاد الأوروبي العمل على مشروعه المقترح «جدار الطائرات المُسيرة» لمواجهة هذه التهديدات.  عن «ناشيونال إنترست»

تعزيز القدرات المحلية

في يونيو 2025، اعتمدت الحكومة السويدية استراتيجية جديدة شاملة لصناعة الدفاع في البلاد، تهدف إلى تعزيز الابتكار، وزيادة الإنتاج، وتعزيز التعاون.

وتسعى هذه المبادرة إلى بناء قطاع تنافسي ومرن قادر على دعم أمن السويد، والمساهمة في جهود الدفاع الأوروبية.

وأكدت الحكومة أن تدهور المناخ الجيوسياسي يتطلب تعزيز القدرات المحلية. وذكرت أن «صناعة الدفاع تلعب دوراً رئيساً في إعادة تسليح السويد، وتقديم الدعم لأوكرانيا».

وترتكز استراتيجية صناعة الدفاع على ثلاث ركائز أساسية: الابتكار والإنتاج والتعاون، وهي راسخة في استراتيجية الأمن القومي والتوجه السياسي الموضح في مشروع قانون الدفاع الشامل 2025-2030.

وقال وزير الدفاع السويدي، بول جونسون: «من خلال الاستثمار الكبير في البحث والتطوير وتقنيات الإنتاج المتقدمة، لا تسهم صناعة الدفاع في الدفاع عن السويد فحسب، بل تسهم أيضاً في تعزيز مكانتنا كدولة صناعية عالية التقنية».

وأضاف: «هذا يجعل السويد شريكاً موثوقاً للتعاون، ويساعد على تعزيز علاقاتنا الأمنية داخل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكذلك مع الدول الأخرى».

وتتماشى الاستراتيجية الجديدة مع استراتيجية صناعية أوسع نطاقاً قيد التطوير حالياً، حيث تهدف الجهود إلى جعل السويد أكثر مرونة وأماناً في مواجهة التهديدات المتزايدة.

• بعد انضمامها أخيراً إلى حلف شمال الأطلسي، تتكيف السويد بسرعة مع الواقع الأمني الجديد، وتُظهر استعدادها للتفكير من منظور عسكري.

شاركها.