ستظل الذاكرة تستعرض مسيرة «الفقد» التي تترك ندوباً في أرواحنا.. وسيظل ما أورثه «المفقود» من سيرة عطرة باقية في قلوبنا.. فقدهم يترك فينا علامات سوداء كلما تذكرناهم.. وغيابهم يورث لنا غيوماً رمادية باقية في ما تبقى لنا من عمر.

أحسست بذلك الشعور حين سمعت برحيل معلمي وأستاذي (الدكتور عبدالله عمر نصيف).. الرجل الذي ترك فينا أثراً يملأ أرواحنا بالنور.. بقي هذا الشعور منذ وفاته إلى اليوم جاثماً على صدري بقسوة.. لقد ترك في قلبي فراغاً لا تملؤه الأيام، وذكريات تتنفس في كل زاوية من حياتي.. شعوري شعور رجل شعر بقلب مليء بالطيبة غيَّر حياة أناس بأكملها.

تربيت على يديه تربية فكرية شاباً في جامعة الملك عبدالعزيز عام 1975، فرأيت فيه آنذاك صورة المعلّم الذي يجمع بين وقار العلم ودفء الأبوة وحنان المعلم.. عرفته أستاذاً ومعلماً استقي منه علوم التعليم الأكاديمي، وخبرة الحياة والعمل.. تشرفت بصداقته حين أصبحت سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في اليابان.. عهدته في كل مكان متواضعاً، صادقاً، ناصحاً.. كان يتابع مسيرتي بفخر المعلم وحنان الأب.. كنت أرى في كل نجاح أحققه ثمرةً من بذرة زرعها في مدرجات الجامعة.. لم يكن مجرد أستاذ في قاعة الدرس، بل مدرسة للحياة بآثارها الخالدة.. سأظل أذكره كما كان نقياً، صادقاً، بسيطاً، ينثر الخير على من حوله بصمتٍ وابتسامة.

عند الحديث عن مناصبه الوظيفية باختصار شديد.. في جامعة الملك عبدالعزيز، أكاديمياً ومديراً لها؛ ساهم ودعم تأسيس المراكز والبرامج الأكاديمية البحثية.. وفي رابطة العالم الإسلامي، أميناً عاماً لها؛ كان أميناً على قضايا الأمة ففتح مكتبه وقلبه لكل مسلمٍ من الشرق إلى الغرب، وفي مجلس الشورى، نائباً لرئيسه؛ ظل كما هو مجسّداً للحكمة والاتزان والعطاء، فساهم في تطوير مفهوم المجلس.. وفي مركز الحوار الوطني، عضواً بالمجلس الرئاسي؛ نشر ثقافة الحوار والمشاركة الوطنية الواعية.

لقد رحل من رسم السعادة بجناحيه في أهله وجيرانه وأصدقائه وزملائه وأحبائه وطلابه.. رحل من كان يقف إلى جانبهم في الشدائد.. رحل صاحب ابتسامة شمس من شموس العلم والإنسانية.. رحل من علمني أن البساطة عظمة، وأن الصمت حكمة.. رحل من كان قلبه كالبحر يسع الجميع.. رحل النموذج النادر للصدق والتواضع.. رحل من ترك بصمة لا تنسى في كل منصب تقلده.. رحل من لم يردّ صاحب حاجة، ولم يغلق بابه في وجه محتاج.. رحل من يرى أن خدمة الناس عبادة، وأن البذل طريقٌ لرضا الله.. رحل من غيَّر مسار حياة إنسان من السلبية إلى الإيجابية.. رحل من وجد في دعمه وتشجيعه نوراً.

عبدالله نصيف بين إيجابية المنصب وعطاء الحياة:

جامعة المؤسس

تأسيس المراكز والبرامج الأكاديمية البحثية

رابطة العالم الإسلامي

أميناً على قضايا الأمة من الشرق للغرب

مجلس الشورى

جسَّد الحكمة والاتزان والعطاء والتطوير

مركز الحوار

نشر ثقافة الحوار والمشاركة الوطنية الواعية

أخبار ذات صلة

 

شاركها.