في زمن أصبحت فيه السوشال ميديا ساحة للابتزاز العاطفي، من السهل أن يُطلق «موظف مستقيل» رصاصة افتراضية على شركة كاملة، ويفتح أبواب التأويل، ويشعل الجماهير بمقطع مُمنتج بعناية، يظهر فيه كملاك طُرد من الجنة ظلماً وعدواناً.

إحدى الشركات التي لها فروع لبيع الشاورما، ومن أنجح العلامات السعودية في قطاع الأغذية، واجهت خلال الأيام الماضية موجة من الانتقادات بعد نشر موظف سابق -صاحب سجل حافل بالغيابات وعدم الانضباط- لمقطع مصوَّر حاول فيه أن يلعب دور الضحية… المقطع انتشر كالنار في الهشيم، وانهالت التعليقات المعبّأة بالعاطفة، متناسية القصة الكاملة، بل ومتنكرة لما قدمته الشركة من فرص وظيفية وبيئة عمل احترافية لأكثر من ألف شاب سعودي هم اليوم على رأس العمل!

من موظف غائب إلى «ثائر وطني»!

المفارقة ليست فقط في أن الموظف لم يُفصل تعسفياً -واستقال بنفسه- بل في أن لديه سجلاً واضحاً من الغيابات والتقصير في الالتزام بالدوام… (وطبعاً الآن بيقولون مفبركها القطاع الخاص عليه)..

وفجأة يا سادتي، يتحول هذا الشخص إلى بطل قومي على منصة «x»، وتتحول شركة ناجحة تُدار وفق أنظمة سوق العمل إلى خصم لشعارات العدالة الاجتماعية الزائفة… ويبدأ وابل الأسئلة الموجهة للملاك: «ليش ما توظف سعوديين أكثر»؟، «ليش الأجانب في الإدارة»؟، «ليش؟ وليش»؟ وللمعلومية، الأجانب موجودون حتى في شركات حكومية وشبه حكومية… وسيزداد عددهم وفق سياسة الدولة للانفتاح الاقتصادي… فلماذا تُصبّ كل هذه النيران على القطاع الخاص؟

هل هذه بطالة انتقامية؟ ما يحدث اليوم مع هذه الشركة ليس مجرد غضب فردي من موظف، بل صورة مقلقة لواقع «البطالة الانتقامية»: حيث يتحول الإحباط إلى استهداف ممنهج لأي كيان خاص ناجح، فقط لأنه متاح للهجوم… القطاع الخاص هو الحلقة الأضعف حينما يُغذّى شعور الظلم دون دليل، ويُترك خطاب «الحق الوظيفي المطلق» دون ضوابط… بدل أن يُوجّه الغضب نحو إصلاح أنظمة العمل أو تحسين فرص التدريب والتوظيف…

هذه الشركة… بزنس ناجح مو حساب وطني! مثل غيرها من الشركات الخاصة، ليست ملزمة بأن تدير قراراتها الإدارية على هوى الجمهور… هي كيان تجاري قائم على التنافسية والنتائج، يدفع رواتب، يوظف مواطنين، ويتحمل المسؤولية كاملة عن نجاحه أو فشله…

ما يحدث هنا يتجاوز النقد… إنها محاولة إسقاط كيان من خلال عاطفة غوغائية تُشعلها شركات علاقات عامة وتغذّيها حسابات تدّعي الوطنية، بينما تلعب من تحت الطاولة…

الوطنية لا تُقاس بالتغريدات… أن تطالب شركة بالعدالة شيء، وأن تُجرّمها بناءً على مقطع عاطفي دون أي تحقق من الوقائع شيء آخر… الوطنية الحقيقية لا تعني تصفية الحسابات مع القطاع الخاص عبر «الترندات»، بل تعني احترام القانون، تشجيع بيئة العمل، ومحاسبة المقصرين -أياً كانوا-.

لا أحد فوق المحاسبة… لا الشركة ولا الموظف… لكن لا تُسقط شركة وطنية ناجحة، قائمة على أكتاف شباب سعوديين ملتزمين، لأن موظفاً قرر «ينفّس» على «تيك توك»، ويهدد الوزير «تبيني أبيع مخدرات» ويبدأ تمثيلية موجهة للجمهور الخطأ في دولة بكل منظومتها التي يشهد لها العالم… دولة لها قدرها ونجاحاتها التي يعيشها ويتمتع بها كل سعودي.

تفاءلوا..

أخبار ذات صلة

 

شاركها.