لندن- لا يبدو أن التحذيرات التي أطلقتها الأصوات الحقوقية والسياسية بشأن خطورة تصنيف حركة العمل من أجل فلسطين “فلسطين أكشن” قد وجدت صدى كافيا داخل مجلس العموم البريطاني الذي صوت غالبية نوابه لقرار حظر الحركة وإدراجها على قوائم الإرهاب.

ولم يمنع الجدل السياسي الحاد الذي لم يهدأ -منذ قرار وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر تقديم مشروع حظر الحركة الاحتجاجية الداعمة لفلسطين- 385 نائبا من إعلان تأييدهم للقرار، في حين اختار 26 آخرون الامتناع عن التصويت.

وأثار قرار مجلس العموم موجة واسعة من الانتقادات من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية ونواب في البرلمان، بالإضافة إلى احتجاجات غاضبة في شوارع لندن.

وشهد محيط البرلمان تظاهرات احتجاجية مناهضة لهذا القرار، وسط انتشار أمني مكثف وفرض قيود صارمة بموجب قانون النظام العام لتحديد مناطق التجمع، بهدف الحد من أي اضطرابات محتملة.

تبرير القرار

وانبرى وزير الأمن البريطاني دان غارفيس أمام البرلمان للدفاع عن المسار الذي اختارته حكومة حزب العمال في التعامل مع الحركة الاحتجاجية، بعد اقتحام عدد من نشطائها قبل أيام قاعدة “بريز نورتون” وإلقائهم طلاء أحمر على طائرات عسكرية، في سلوك احتجاجي وصفه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأنه “عمل تخريبي مشين”.

كما أسهمت الحركة في إغلاق عدد من مصانع شركة إلبيت، التي تُعد من أكبر المصدرين للطائرات المسيّرة المستخدمة في حملات الإبادة الجماعية في غزة، مما أدى إلى تعطيل عمل هذه المصانع وإخراجها من الخدمة.

وقال غارفيس إن الحركة ليست مجموعة احتجاج شرعية، وإن وضعها على قوائم المنظمات الإرهابية سيمنح السلطات القدرة على تتبع تمويلها ومنعها من التعبئة الشعبية لارتكاب جرائم متطرفة، على حد وصفه.

وزعم الوزير أن اندفاع الحكومة لتجريم أنشطة الحركة لا تقف وراءه دوافع سياسية، بل يهدف لحماية أمن واستقرار البلاد وحماية الحق في الاحتجاج السلمي لكل الداعمين للقضية الفلسطينية.

ويجعل القرار البريطاني الحركة على قدم المساواة مع حركات أخرى مصنفة على أنها تنظيمات إرهابية في بريطانيا، كحركة حماس، وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

ويرتقب بعد تصويت مجلس العموم، تحويل مشروع قانون الحظر في غضون أيام قليلة للتداول والنقاش بمجلس اللوردات (الغرفة الثانية للبرلمان البريطاني) قبل إصدار قرار نهائي بشأنه ودخوله حيز التنفيذ.

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر قد اتهمت الحركة بمراكمة تاريخ طويل من الخروقات الجنائية والعنف والأضرار الجسيمة، ونهج سلوك لم يعد يرتبط بالاحتجاج السلمي، ويرقى لتصنيفها منظمة إرهابية.

مراقبون يحذرون من تحول جذري يجري في بريطانيا لمحاصرة السردية الفلسطينية (الفرنسية)

تجاوز غير مسبوق

في مقابل الدعم الواسع الذي نجحت الحكومة البريطانية في تأمينه لقرار الحظر، علت أصوات داخل مجلس العموم تحذر من انعكاساته الخطيرة على الحق في الاحتجاج وحرية الرأي والتعبير، إذ بادر 9 نواب من حزب العمال لمعارضة قرار قيادة الحزب.

وقد انتقدت النائبة العمالية زارا سلطانة اللجوء إلى قانون الإرهاب، بدل القانون الجنائي، لمحاسبة من يتسبب في أضرار مادية خلال الحراك الاحتجاجي، واصفة الخطوة الحكومية بـ”التجاوز غير المسبوق” و”الخطير”.

ويرى كامل حواش، العضو السابق في حزب العمال البريطاني، أن حكومة الحزب تعمدت دمج مشروع حظر “حركة العمل من أجل فلسطين” مع مقترح لحظر منظمتين يمينيتين متطرفتين، مما أربك عددا من النواب المتحفظين على تصنيف الحركة على أنها منظمة إرهابية، ودفعهم إلى التصويت للقرار خشية أن يُفهم رفضهم على أنه معارضة لحظر الجماعات اليمينية المتطرفة.

ويضيف الناشط السياسي الفلسطيني -في حديث للجزيرة نت- أن الحكومة البريطانية اعتمدت لعبة سياسية متقنة تهدف إلى الضغط على النواب المترددين والمتحفظين بشأن التصويت لصالح القرار، وهو نهج سياسي يُتبع لتحقيق مكاسب في التصويت على قرارات مثيرة للجدل.

وقالت صحيفة تلغراف إن اللورد والني -النائب العمالي السابق ومستشار الحكومة للعنف السياسي- قد حذر من تحدي قرار الحكومة ودعم منظمةٍ على وشك الحظر، داعيا لطرد النواب الذين قاموا بذلك من حزب العمال.

ويجاهر عدد من النواب برفضهم القرار، في مقدمتهم زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن، والنائب المستقل في البرلمان البريطاني، الذي وصف الملاحقات التي تتعرض لها حركة “فلسطين أكشن”، بحملة القمع العنصرية والاستبدادية لإسكات الأصوات الرافضة للإبادة الجماعية في غزة.

ورقة قانون الإرهاب

وطوال الأيام الماضية، واصلت فرق التحقيق البريطانية حملة اعتقالات استهدفت عددا من نشطاء الحركة، تقول إنهم على صلة بحادثة اقتحام القاعدة العسكرية ورش رذاذ أحمر على طائرتين عسكريتين.

وقدمت الحركة طلبا للطعن في قانونية قرار الحكومة البريطانية بحظر نشاطها كمنظمة إرهابية، ومن المتوقع أن يُبت فيه الجمعة المقبل.

وإذا أقر مجلس اللوردات القانون، سيدخل القرار حيز التنفيذ ويصبح ساري المفعول، بينما قد تستغرق إجراءات التقاضي للنظر في الطعن وقتا أطول.

ويرى صباح المختار، رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، أن قرار الحظر لا يزال ينتظر القراءة الثانية في مجلس اللوردات، حيث قد يُطلب تعديله أو تأييده بشكل كامل، وأيضا بت المحكمة العليا في الطعن الذي قدمته الحركة أمامها لإلغاء القرار.

ويشدد المختار -في حديث للجزيرة- على أن وصم الحركة بتهمة الإرهاب والنزوع لحظرها يتجاوز البعد القانوني والإجرائي إلى مسار تضييق أوسع تتبناه الحكومة البريطانية على الحركة الاحتجاجية الداعمة لفلسطين، بعد اتساع دائرة دعمها وتأثيرها غير المتوقع على الرأي العام البريطاني.

لكن لا يعرف كيف سيتم تنفيذ الحظر إذا أُقر، إذ تمنح قوانين مكافحة الإرهابية سلطة واسعة للشرطة وصلاحيات أكبر، مما قد يؤثر سلبا على الاحتجاجات الداعمة للقضية الفلسطينية ويربك المتضامنين معها.

من جهته، يرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة لندن نهاد خنفر أن تحولا جذريا موازيا يجري في بريطانيا لمحاصرة السردية الفلسطينية عبر اختراق قلاع الحماية القانونية وتصويبها ضد الحراك المؤيد للقضية الفلسطينية.

واعتبر خنفر -في حديثه للجزيرة نت- أن إقرار المحكمة العليا بشرعية التعاون البريطاني مع إسرائيل في توريد قطع السلاح، رغم اعترافها الصريح بإمكانية استخدام هذه القطع في ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي بغزة، “مؤشر قانوني مرعب” قد ينبئ بما قد تسير عليه الأمور بخصوص الحركة الاحتجاجية.

1751603876 979 GettyImages 2222280869 1751475293
القرار البريطاني يضع الحركة على قدم المساواة مع حركات أخرى مصنفة على أنها تنظيمات إرهابية في بريطانيا (غيتي)

شجب أممي

وعلى المستوى الدولي، حذّر عدد من المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة من أن تصنيف الحركة بأنها إرهابية يعد “تشويهًا قانونيًا خطيرًا” لمفهوم الإرهاب.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال الممثل الأممي الخاص بن سول: “نحن قلقون من التصنيف غير المبرر لحركة احتجاج سياسي على أنها إرهابية، فوفق المعايير الدولية، لا تُعد الأفعال التي تُلحق ضررًا بالممتلكات دون نية القتل أو الإصابة أعمالًا إرهابية”.

وأكد بن سول -وهو المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في أثناء مكافحة الإرهاب- أن “خبراء أمميين تواصلوا مع الحكومة البريطانية وحذروا من آثار مُروعة على حرية التعبير والاحتجاج السياسي”.

وأشار إلى أن بريطانيا كانت قد دعمت هذا التفسير حين صوّتت لصالح القرار رقم 1566 في مجلس الأمن عام 2004، الذي نص على أن “الإضرار بالممتلكات دون تعريض الأرواح للخطر لا يرقى إلى مستوى الإرهاب”.

ويعرّف القانون الدولي الإرهاب بأنه “تهديد متعمد لحياة المدنيين بهدف بث الرعب”، بينما لا تقع أفعال الحركة الاحتجاجية الداعمة لفلسطين ضمن هذا الإطار، حسب منظمات حقوقية، لكن الحكومة البريطانية تتبنى تعريفا فضفاضا، يسمح بتجريم التخريب الرمزي والاقتحامات غير المسلحة، مما يثير قلق خبراء قانونيين.

شاركها.