رفّ جناح البشرى بنبأ تأهل البطلة السعودية «فرح اليوسف» إلى نهائيات كأس الأمم لـ«فورمولا»، في سبقٍ لامرأة سعودية، لم يتأتَ لغيرها من بنات وطنها، لا عن عجز ولكن لمصدات وضعت أمامها في السابق، وأزاحتها عنها رؤية المملكة 2030، ضمن ما أزاحت من قيود وكوابح ومعيقات، جثمت على صدر مجتمعنا ردحًا كالحًا من الزمن، فيما عُرف زورًا وبهتانًا بـ«الصحوة»، وما هي في حقيقتها إلا «كفوة» ألمّت، و«جفوة» قطعتنا عن حياتنا في مسارها الطبيعي..

نعم؛ إن نجاح «فرح» ليكتسب معاني تتجاوز في مضمراتها مجرد التأهّل في مسابقة للسيارات، إلى أفق أبعد وجديد للمرأة السعودية، لتبلغ مع «الرؤية» من المقامات السنيّة ما هي جديرة به، دون تمييز أو محاباة، ودون مصدات أو محاذير ترفع بغير مسوغ من عقيدة، أو شرع أو قانون.. وما كان لهذا أن يكون واقعًا ملموسًا، وحقيقة ماثلة لولا هذه «الرؤية المباركة»، التي أبدعتها عبقرية ولي عهدنا الأمين، وحرستها رعايته لها ومتابعته الواعية والبصيرة والمثابرة لتفاصيلها، حتى تجلّت بما نشاهده اليوم ونلمسه من تطور وتقدم وصعود لنجم دولتنا الفتية الأبية في مراقي الدول المتقدمة، والآخذة بأسباب المستقبل صعودًا وترقيًا ونهضة.

ولمّا كان المقام مقام حفاوة بـ«فرح»، فإنّ بساط النظر لينفسح تأمّلًا في ما أولته «الرؤية» من اهتمام متعاظم بالمرأة، فاردة لها مساحة كبيرة في برامجها، سعيًا نحو تمكينها من زيادة مشاركتها في سوق العمل، مسبوقًا ذلك بإتاحة كل الفرص الممكنة لها للتزوّد بالمعرفة، والتسلّح بالخبرة للعب دور مائز ومؤثر، بوصفها شريكًا فعّالًا في التنمية الوطنية، وفي سعي نحو خلق بيئة عمل تقدر فيها الفروقات بين فئات العاملين على قاعدة الأوفق والأصلح والأجدر، بهدف تقليل التفاوت في ظروف وفرص العمل من خلال التحفيز بأنواعه لتعزيز الصورة الإيجابية عن عمل المرأة في بيئة العمل، مع دعم إيجاد بيئة داعمة وشمولية لتسهيل دخولها في هذا السوق، فعملت «الرؤية» على تعديل التشريعات والأنظمة فيما يخص تمكين المرأة، ومن ذلك قرار التنظيم الموحد في بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص، وغيرها..

والحال نفسه ينطبق على كافة المجالات الأخرى التي فُتحت أمامها الأبواب، وعُبّد لها الطريق، لتقدم عطاءها المنظور في جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والعلمية، والثقافية، وغيرها، وعلى جميع المستويات.. فكانت عند حسن الظن، وعلى قدر الرهان، ولم تخيّب أملًا.. فلئن كانت «الدهشة» هي الإحساس المسيطر علينا ونحن نعايش تطوّرها وقدراتها التي طمرتها «الصحوة» طوال تلك السنوات، فإننا اليوم ننتقل مع نجاحاتها المضطردة إلى مراقي الافتخار والزهو وطلب المزيد، مستيقنين من إمكاناتها، وواثقين من قدرتها على المُضي في طريق المعالي بكل اقتدار وجدارة واستحقاق.

إن ما أحدثته «رؤية المملكة 2030» من تغيير دراماتيكي في بنية المجتمع السعودي، خصوصًا فيما يتصل بالمرأة، حرّي بأن يكون محل النظر والحفاوة، وأن يدرس بروية وتؤدة، قياسًا على عظيم الأثر مع قصر المدة، مخالفة بذلك جميع النظريات العالمية المعروفة الراصدة للتغير الاجتماعي، غير مستثنٍ من ذلك نظرية التغير الهيغلي بنموذجها الكلاسيكي الجدلي المستند إلى رصد التفاعلات بين القوى المتضادة، وما تنتجه من أطروحات متعاكسة، تفضي في النهاية إلى نشوء صراع، ينتهي في محصلته إلى صناعة جديدة، وواقع مغاير.. وكذلك نموذج التغيّر الماركسي وجدليته المادية عن التاريخ، واستناده إلى فرضية أن «التاريخ البشري هو صراع أساسي بين الطبقات الاجتماعية».. ويشمل النظر كذلك نظرية التغير الهرقليطي المنسوبة للفيلسوف الإغريقي هرقليطس، ودعمها لمفهوم استمرارية التغيير بلا انقطاع على قاعدة «إنك لا تخطو في النهر الواحد مرتين، فلا أنت نفس الشخص الأول ولا النهر نفسه كذلك».. وصولًا إلى نظرية التغير الكوني التي أبدعها الفيلسوف الأمريكي توماس صموئيل كون، في كتابه «بنية الثورات العلمية»، ورؤيته أن «الناس يميلون إلى الاستمرار في استخدام نموذج لا يعمل بشكل واضح حتى ظهور نموذج آخر أكثر قبولًا.».. فجميع هذه النظريات العالمية – على عظيم ما أنتجت من فكر مؤثر – ترتهن إلى عامل الزمن في امتداده، وانفساحه، بوصفه عاملًا مهمًا وأساسيًا في عملية التغيير المنتظر؛ وهو عين ما تجاوزته «الرؤية» بإحداث التغيير في زمن قياسي، سيكون محل دراسة ونظر، بلا شك.

عودًا على بدء؛ إنّ هذه «الرؤية» المباركة استطاعت أن تعيد للمرأة السعودية حقّها، وتضعها حيث يجب أن تكون بغير جور في حقوقها، أو تمييز لها بغير ما تستحق، فقد وضعتها أمام قدراتها، وحرّكت ما سكن فيها من مواهب، وبعثت ما خمد فيها من طموحات، لتجد فرصتها للانطلاق، والعون للتقدم، بقدر ما أعانتها موهبتها، وساعدتها قدراتها، ووسعتها طموحاتها، فقاعدة التنافس اليوم في ظل «الرؤية» هي الجدارة، بلا تمييز على قاعدة الجندر، ولا شك عندي أن المرأة السعودية تملك القدرة على منافسة أخيها الرجل تنافسًا شريفًا، وهي قادرة على الصعود والترقي وإبهار العالم أجمل بما تمتلك وتستطيع، محفوفة بالأمنيات والدعوات بمزيد من التقدم والتطور والنماء.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.