تحولت العاصمة الإسبانية مدريد إلى وجهة فاخرة للمقيمين والزوار فاحشي الثراء، حيث تشهد طفرة تاريخية مع استقطاب أعداد غير مسبوقة من المليارديرات، لاسيما من أميركا اللاتينية، إضافة إلى الولايات المتحدة، وبشكل متزايد من روسيا وآسيا.
كما تشهد المدينة نمواً ملحوظاً في فنادقها ذات الخمس نجوم، وتحول مبانٍ سكنية بأكملها تعود للقرن الـ19 إلى شقق فاخرة، وتكتظ كليات إدارة الأعمال بالطلاب الأجانب الأثرياء، وتنتشر المطاعم الفاخرة.
وأصبحت منطقة «سالامانكا» المركزية الثرية، الآن، مأهولة بالكامل تقريباً باللاتينيين، وقالت سيدة أعمال إسبانية: «أفضل المطاعم المحجوزة بالكامل، وإذا كنت ترغب في حجز طاولة فمن الأفضل أن تتحدث بلهجة مكسيكية»، وأضافت: «سيوفرون لك طاولة لأن المكسيكيين، مثل الأميركيين، يتركون إكراميات ضخمة».
وتعززت مكانة المدينة، الشهر الماضي، عندما احتفل الملياردير ومؤسس شركة «أمازون»، جيف بيزوس، بوداع عزوبيته في مدريد، مستمتعاً بما وصفته صحيفة «إل باييس» الإسبانية بـ«المركز الجديد للفخامة وتجارب الحياة الليلية الراقية في العاصمة».
واستمتعت مجموعة المليارديرات الأميركيين بأجواء رائعة في أماكن راقية حول «سالامانكا»، مثل مطعم «تين كون تين» وملهى «غونيلا».
وقال مصرفي من أميركا اللاتينية، مقيم في مدريد ويتنقل بين أثرياء أميركا اللاتينية في الخارج: «أصبح المشهد الآن أشبه بلندن أو باريس من حيث أصحاب الثروات الطائلة، لقد حدث ذلك بسرعة كبيرة»، واستشهد كمثال على ذلك بارتفاع قيمة منزله في ضاحية «لاموراليخا» الراقية بمدريد، وأوضح: «اشتريته عام 2018 مقابل 2.1 مليون يورو، وعرض ملياردير أرجنتيني أخيراً شراءه مقابل 11.5 مليون يورو، لكنه بدلاً من ذلك دفع 16.5 مليون يورو مقابل عقار آخر هنا».
وقال المدير الإداري لشركة «نايت فرانك» في إسبانيا، همفري وايت: «لقد حدث ذلك بين عشية وضحاها، أولئك الذين يملكون 30 مليون يورو أو أكثر أصبحوا الآن غير مرتبطين جغرافياً، ولم يعودوا مرتبطين بجذورهم، وأصبحوا أكثر شباباً»، مضيفاً: «يختارون مدريد لطقسها، وثقافتها، وأمانها، ومطارها الممتاز، وكليات إدارة الأعمال عالمية المستوى للأطفال، لم يكن من الممكن تصور ذلك قبل بضع سنوات فقط، لكنها الآن أصبحت منافساً عالمياً».
وتقدم إسبانيا أيضاً برامج متنوعة للتأشيرات الذهبية، وتمنح منطقة مدريد إعفاء ضريبياً بنسبة 100% على ضريبة الثروة التي تفرضها الحكومة المركزية، ما يسمح من خلال الاستثمارات بخصم 20% من ضريبة الدخل الشخصي.
وأُطلق على هذا الإجراء اسم «قانون مبابي»، نسبةً إلى لاعب كرة القدم الذي تزامنت هذه الضريبة مع توقيعه عقداً مع فريق ريال مدريد، وأشار وايت إلى امتداد «بصمة وسط المدينة الفاخرة» خارج «سالامانكا» إلى مناطق مثل «تشويكا»، حيث تبيع شركته أكثر من ثلاثين شقة بأسعار تصل إلى سبعة ملايين يورو في مبنى أنيق مُرمم يعود تاريخه إلى عام 1920.
وافتتحت البنوك الإسبانية الكبرى هذا العام مرافق خاصة في مدريد للأفراد ذوي الثروات الكبيرة، حيث يقدم بنك «سانتاندير» و«كايكسا بنك» خدمات للعائلات التي تبلغ أصولها 50 مليون يورو أو أكثر. وافتتح بنك «بي بي في إيه» مكتباً في منطقة «سالامانكا» حصرياً لأولئك الذين لديهم ما لا يقل عن 500 ألف يورو ومعظمهم من أميركا اللاتينية.
وغم هذا التدفق السكاني، قال المؤرخ وسليل كريستوفر كولومبوس، فرناندو دي باردو: «أجد أن مدريد قد تغيرت إلى الأسوأ. الأحياء تفقد هويتها، والمتاجر والحانات التقليدية تختفي، وجاء إلى هنا أناس غريبون بأموال طائلة، لكن بمستوى تعليمي وأخلاقي محدود».
وأشار آخرون إلى تأثير التدافع على أسعار المنازل في مدريد، ففي مايو ارتفع متوسط سعر المتر المربع في العاصمة الإسبانية بنسبة 24.3% على أساس سنوي، وفقاً لموقع «إديليستا» الإلكتروني المتخصص في بيع العقارات.
لكن العديد من سكان مدريد يستمتعون بموجة الازدهار الاقتصادي، ففي مطعم «كوكي»، وهو مطعم عائلي فاخر حائز على نجمتي ميشلان، قال الشيف والمالك المشارك، ماريو ساندوفال: «كان للندن وباريس دورهما في الماضي، والآن أصبحت مدريد هي كل شيء»، مضيفاً: «تحدث الآن أمور استثنائية يصعب تصديقها. على سبيل المثال تجاوزت فاتورة طاولة لأربعة أشخاص 30 ألف يورو أخيراً».
وتابع مازحاً أنه ينبغي تسمية العاصمة الآن «المنطقة الفيدرالية»، كما كان يطلق سابقاً على مكسيكو سيتي، لأنها تجذب «أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم»، وقال: «يأتون بفضل المتاحف الرائعة، وحفاوة الاستقبال في مدريد، وكرة القدم، وقريباً سباقات (الفورمولا 1)». عن «التايمز»
• البنوك الإسبانية الكبرى افتتحت مرافق خاصة في مدريد للأفراد ذوي الثروات الكبيرة.