مع مرور الدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة الروسية عبر الساحة الحمراء في موسكو، خلال استعراض «يوم النصر» السنوي احتفالاً باستسلام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، انضم إلى الرئيس فلاديمير بوتين ما لا يقل عن 20 زعيماً عالمياً، محققاً بذلك نصراً خاصاً كزعيم سعى الغرب إلى عزله.
بعد احتفالات باهتة في السنوات الماضية، شهدت عدداً قليلاً من الدبابات وغياباً شبه تام للقادة، رحبت روسيا هذا العام بالذكرى الثمانين لـ«النصر» بالزعيم الصيني شي جينبينغ، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وقادة سلوفاكيا وصربيا ومصر وفيتنام وفنزويلا، ودول أخرى تسميها موسكو «دولا صديقة»، في أكثر أعيادها مهابة وعاطفية.
وفي خضم الحملة الدعائية المكثفة لـ«يوم النصر»، صوّر بوتين نفسه كزعيم عالميٍ واثقٍ يسير على طريق هزيمة أوكرانيا في ظل تفكك التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا، وتعرض قوات كييف للضغوط، وإجراء مفاوضات لإنهاء الحرب بشروط روسيا إلى حد كبير.
وقال بوتين في الساحة الحمراء: «الحقيقة والعدالة في صفنا»، مضيفاً: «البلاد كلها، والمجتمع، والشعب كله يدعم المشاركين في العملية العسكرية الخاصة»، في إشارة إلى الحرب ضد أوكرانيا، مشيراً إلى أن تصميمهم وشجاعتهم «لم يجلبا لنا سوى النصر».
أسلحة روسية
وشملت الأسلحة الروسية في عرض هذا العام صواريخ «إسكندر» الباليستية، وطائرات روسية بدون طيار، وقاذفات صواريخ «تورنادو-إس»، وأنظمة قاذفات اللهب الثقيلة «توسوشكا»، وجميعها استخدمت في الحرب ضد أوكرانيا، كما مرت صواريخ «يارس» الباليستية العابرة للقارات الروسية القادرة على حمل رؤوس نووية عبر الساحة الحمراء.
جلس بوتين إلى جانب جينبينغ خلال الحدث، وانحنى مراراً للتحدث معه عبر مترجم. وبعد العرض صافح الجنود الروس الذين شاركوا في الحرب ضد أوكرانيا وضباطاً عسكريين أجانب، والذين أدوا له التحية جميعاً، بمن فيهم مجموعة من كبار المسؤولين العسكريين من كوريا الشمالية، وعانق أحدهم لفترة وجيزة.
وتقاتل قوات خاصة من كوريا الشمالية إلى جانب روسيا لطرد الأوكرانيين من كورسك جنوب روسيا، وهو أمر لم تعترف به موسكو وبيونغ يانغ إلا أخيراً.
محكمة خاصة
وقالت الزميلة في مركز «كارنيغي روسيا وأوراسيا»، تاتيانا ستانوفايا: «أظهر حضور قادة العالم فشل الجهود الغربية لعزل بوتين وهزيمة روسيا». وأضافت: «إنه يُبرز مكانة روسيا كجزء مهم من العالم».
ومع سير جنود من حلفاء روسيا في الساحة الحمراء، اجتمع عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين في أوكرانيا للتوقيع على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مسؤولين روس رفيعي المستوى بتهمة ارتكاب «جريمة العدوان على أوكرانيا».
وزارت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، وأكثر من 15 وزير خارجية، من بينهم وزراء من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مدينة لفيف، حيث أيدوا رسمياً إنشاء المحكمة، التي سينشئها مجلس أوروبا، الهيئة الرائدة في مجال مراقبة حقوق الإنسان في القارة، والتي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية.
وسعت أوكرانيا إلى إنشاء المحكمة منذ بداية الحرب لمقاضاة القيادة الروسية على حرب عام 2022. وسعى الاتحاد الأوروبي إلى حشد الدعم الدولي للخطة، وهي مهمة شاقة تواجه انقسامات حول الحرب الروسية، بما في ذلك داخل الأمم المتحدة.
ومع ذلك، يتوج الاتفاق بشأن المحكمة ما يقرب من عامين من المحادثات والتخطيط القانوني، حيث حظي بتأييد 37 دولة، بما في ذلك معظم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا والنرويج.
احتياطات أمنية
وصرح مسؤول في الاتحاد الأوروبي بأنه على الرغم من مشاركة واشنطن عن كثب في محادثات المحكمة في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، إلا أن الولايات المتحدة لن تنضم إلى تلك الدول الآن.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته قبل الإعلان عن المحكمة، إن المحكمة قد تحاكم كبار المسؤولين غيابياً، لكن بوتين يتمتع بالحصانة حتى انتهاء ولايته.
وقد بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقها الخاص في مزاعم ضد روسيا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين، لكنها لا تملك صلاحية مقاضاة جريمة العدوان في حالة أوكرانيا.
وفي موسكو، اتخذت احتياطات أمنية مشددة بعد أن تسببت سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة أوكرانية في وقت سابق باضطراب هائل في المطارات. وتم قطع خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول حول منطقة العرض في يوم النصر لإحباط المزيد من الهجمات.
وشوهدت فرق القناصة من سطح الكرملين ومركز التسوق المطل على الساحة الحمراء.
لطالما كان انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية جزءاً مهماً من هوية البلاد، لكن في عهد بوتين، أصبح هذا الانتصار محورياً، حيث يشبه الكرملين أوكرانيا الآن بالنازيين.
علامة جيدة
عندما استعرض جنود الخدمة الفعلية الذين يقاتلون في أوكرانيا أمام بوتين ومنصات المشاهدة في الساحة الحمراء، وقف المدعوون وصفقوا، بمن فيهم ليودميلا، الأرملة التي قتل زوجها وهو يقاتل في أوكرانيا، وابنتها فارفارا، البالغة من العمر 11 عاماً.
وصرحت ليودميلا لصحيفة «واشنطن بوست» بأنها تعتقد أن روسيا «لا تُقهر»، وقالت إن حضور القادة الأجانب للاستعراض «علامة جيدة».
وأضافت الأرملة الروسية: «من الرائع أن نحظى بهذا الدعم الكبير وأن تتحد الدول الأخرى حولنا».
وعندما طُلب من أوليغ، البالغ من العمر 50 عاماً، وهو متطوع يقاتل في كتيبة سيبيريا، شرح الروابط بين الحرب العالمية الثانية والحرب الحالية في أوكرانيا، اعتبرها حرباً عالمية وحرباً أهلية في الوقت نفسه، ففي النهاية، كانت عائلته في الأصل من أوكرانيا قبل إرسالها قسراً إلى سيبيريا في العصر القيصري.
وقال أوليغ: «كل المفاهيم متشابكة، لقد حرفوا الحقيقة وعكسوها، يسمون أنفسهم أوكرانيين»، مضيفاً أنه سيعود إلى الجبهة بمجرد انتهاء العرض.
يقدم بوتين، إلى جانب الرئيس الصيني، نفسه كقائد في نظام عالمي جديد لم تعد الولايات المتحدة تهيمن عليه، ساعياً إلى استغلال تحول السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وإضعاف النظام العالمي القائم على القواعد. عن «واشنطن بوست»
المواجهة مع الغرب
تراجعت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دعمها القوي لأوكرانيا، وأعربت عن تناقض في موقفها تجاه حلفائها الأوروبيين، وقلصت صلاحيات الوكالات الحكومية التي تكافح الهجمات الإلكترونية والتضليل والتدخل الروسي. لكن في الأسابيع الأخيرة، بدا أن ترامب يفقد صبره تجاه روسيا.
وعلى الرغم من مبادرات ترامب الودية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حذر مدير مركز «كارنيغي لروسيا وأوراسيا»، ألكسندر غابويف، من أن موقف روسيا تجاه دول الغرب لم يتغير جذرياً، قائلاً: «لقد جعل بوتين المواجهة مع الغرب المبدأ المنظم للحياة الروسية»، مضيفاً: «مهما بذل ترامب من جهود، فإن روسيا في عهد بوتين لن تكون أبداً دولة لا تشكل تهديداً لأوروبا والولايات المتحدة».
. لطالما كان انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية جزءاً مهماً من هوية البلاد، لكن هذا الانتصار أصبح محورياً.
. الرئيسان الصيني والبرازيلي وقادة مصر وسلوفاكيا وصربيا وفيتنام وفنزويلا كانوا من أبرز الحضور.