الشيخ إبراهيم السليمان الجار الله رحمه الله من الدعاة العاملين المحتسبين، ويُعد بحق شيخ المحتسبين لما عُرف به من ثبات على الحق وحرص على الدعوة بالحكمة، وتمسك قوي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان رجل صلاة وخشوع ومن أهل الخير والصلاح، ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
وُلد الشيخ رحمه الله في مدينة بريدة ونشأ فيها، وكان في بيت أهل دين وصلاح ومن أسرة عُرفت بالخير والتدين، وقد وُلد كما هو مسجل في بطاقته الرسمية بتاريخ 1/7/1355هـ، ورحل عن عمر ناهز 95 عامًا، قضى معظمه في طاعة الله وخدمة دينه والدعوة إلى المعروف والنصح والبذل والتوجيه.
صفاته وسيرته
لم يكن من أهل الأضواء، لكن عرفه أهل الصلاح والعلم منذ عشرات السنين بمواقفه العظيمة وسيرته النقية وحرصه على الصدقات وصلة الأرحام، ومحبته الشديدة للمساكين.
وكان رحمه الله لا يترك فرصة لزيارة أقاربه وصلة رحمه، فكان يسافر إلى الرياض لزيارة بنات إخوانه وخواته في تواضع ومحبة وحرص على الود والقرب.
رحمته وبذله
كان كثير البكاء إذا رأى حاجة أو مظلمة، وكان يبذل ماله وجاهه ووقته وجهده في نصرة المظلوم ومساعدة المحتاج، ولا يرد سائلاً ولا يتأخر عن خير، وكان يتلذذ بخدمة الناس ويجد فيها راحة قلبه وسعادته.
عبادته وزهده
عُرف رحمه الله بكثرة صلاته وخشوعه وعبادته، وكان شديد المحبة للحج والعمرة، وكان يتابع العمرة شهريًا دون انقطاع حتى أقعده المرض، لكنه ظل متعلقًا بها قلبًا وذكرًا.
وكان صاحب قيام ليل لا يفتر عن الصلاة والدعاء، وكان بكّاءً تفيض عيناه إذا سمع آيات الوعيد أو وصف الجنة، ورقّ قلبه ولان لله وتلذذ بذكره وخشيته.
مكانته عند العلماء
نال محبة وتقدير كبار العلماء كالإمام عبد العزيز بن باز، والإمام محمد بن صالح العثيمين، والشيخ صالح الخريصي وغيرهم، ممن عرفوه عن قرب وقدّروه حق قدره.
الاحتساب في حياته
كان الشيخ رحمه الله يتمثّل قول الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، فكان يرى أن الاحتساب عبادة عظيمة وميزة هذه الأمة، ومن صفات المؤمنين الذين وعدهم الله برحمته.
وكان يوقن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحقق مصالح العباد ويحفظ المجتمعات.
ملازمته للعلماء
كان ملازمًا للشيخ محمد الصالح المطوع، وقد ذكر بنفسه أنه توفي وهو بجواره رحمهما الله.
كما كان على صلة وثيقة بالشيخ ابن باز وابن عثيمين، وكان من خواص الشيخ الخريصي عالم القصيم المعروف رحمه الله.
قصة خطاب الملك
أرسله الشيخ الخريصي إلى الملك فهد رحمه الله في الطائف بخطاب مهم.
حين وصل، قال له رئيس المراسم: “هناك بعض النقاط تحتاج إلى تصحيح”.
فعاد فورًا إلى بريدة، وأعاد الخطاب مصححًا في اليوم التالي، فقال له رئيس المراسم مندهشًا: “ما شاء الله ذهب بالبُراق!”
في إشارة لسرعة تنفيذه الأمانة وإخلاصه في العمل.
خدمته للعلماء والدعاة
كان شديد التواصل مع العلماء والدعاة، محبًا لمجالسهم، حاضرًا في حلقاتهم، مساهمًا في حاجاتهم.
وكان يقوم الليل ويبكي من خشية الله، متواضعًا، قليل الكلام، كثير العمل، حريصًا على المجالس العلمية ومجالسة أهل الفضل.
كرمه وثقة الناس فيه
عُرف بالكرم والعطاء والإحسان، وكان ينفق كما ينفق من لا يخشى الفقر.
وكان رجال أعمال كثيرون يثقون به ويُعطونه المال لبذله في وجوه الخير، لما لمسوه فيه من أمانة وصدق.
محبته لوطنه وقيادته
كان محبًا لوطنه وقيادته، متواصلًا معهم، يزورهم.
وفي أحد الأعوام تناول الإفطار يوميًا مع الملك فيصل رحمه الله طوال شهر رمضان، مما يدل على قربه من ولاة الأمر.
وقد خلّف مئات المراسلات بينهم وبين العلماء والدعاة، محبة وتناصحًا وتشاورًا.
محبة العلماء
كان الشيخ صالح اللحيدان رحمه الله يحبه حبًا عظيمًا، ومن الذين يُجِلّونه أيضًا الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله، وكان يزوره في بيته إذا قدم إلى بريدة.
وكان والدي سليمان القفاري رحمه الله يُجِلّه ويقدّره كذلك، وكان بينهما محبة وتشابه في حب العلماء وأهل الصلاح.
ونسأل الله أن يجعلهم ممن قال الله فيهم:
“المتحابّون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيّون والشهداء”
وفاته
توفي يوم الجمعة 13 شوال 1446هـ الموافق 11 أبريل 2025م، وصُلي عليه عصر الجمعة في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب ببريدة.
ازدحم المسجد بالمصلين وامتلأت المقبرة بالمشيّعين، في مشهد مهيب يعكس محبّة الناس ومكانته.
رحمه الله رحمةً واسعة، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وخلفه في أهله ومحبيه بخير، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.