اختار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتيناهو، الهروب إلى الأمام باستئناف حرب الإبادة على غزة، مضحياً، على ما يبدو، بما تبقى من أسرى إسرائيليين لدى (حماس).
انقلب نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار، تهرَّب من التزاماته، وعاد إلى ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، وسط مجتمع دولي أخفق، حتى الآن، في وضع حدٍّ لشلال الدم في القطاع المنكوب.
وهكذا فضَّل رئيس الوزراء الإسرائيلي الباحث عن مخرج لأزماته الداخلية، سواء في مواجهة المحاكمة في قضايا الفساد، أو ضغوط اليمين المتطرف؛ الذي يهدد بالإطاحة بالائتلاف الحاكم، إشعال الحرب من جديد على حساب دماء الغزاوية.
انهارت الهدنة كما كان متوقعاً، وعادت المجازر، واستأنف جيش الاحتلال حرب التقتيل والإبادة الجماعية على القطاع الذي لم يعد صالحاً للحياة.
ويبقى السؤال: لماذا عاد نتنياهو للحرب؟
يرى كثيرٌ من المحللين أن نتنياهو فضَّل استئناف العدوان هرباً من الملاحقات الداخلية، سواء ما يتعلق بالمحاكمة، أو أزمة إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، فضلاً عن الخوف من احتمال انفراط عقد الحكومة، وعدم قدرتها على تمرير قانون الموازنة نهاية الشهر الحالي.
أضف إلى ذلك أن متطرفي الحكومة يرون أن الحرب؛ التي استمرت نحو 15 شهراً، لم تحقق أهدافها بعد، خصوصاً ما يتعلق بالقضاء على (حماس) أو تحرير الأسرى المحتجزين في القطاع. ومن ثم، فإن استئناف العدوان يعود إلى رغبة نتنياهو وفريقه في القضاء على مقدّرات (حماس) العسكرية والإدارية بشكل كامل.
ومع انتهاء المرحلة الأولى من هدنة غزة؛ التي استمرت 42 يوماً، وانتهت مطلع مارس الجاري، بدا واضحاً أن إسرائيل لا تريد إكمال الاتفاق والدخول في المرحلة التالية، وإنهاء الحرب التي راح ضحيتها نحو 50 ألف شهيد وإصابة أكثر من 112 ألفاً منذ 7 أكتوبر 2023.
والآن، ما مصير المفاوضات ومستقبل الاتفاق؟
ثمَّة من يرون أن المفاوضات سوف تمر بحالة من الجمود المؤقت حتى يتوفر الظرف المناسب لعودتها إلى ما كانت عليه، فيما سيسعى الوسطاء إلى محاولة ممارسة قدر من الضغوط على الطرفين، من أجل وقف الحرب والعودة إلى المسار السياسي.
ويعتقد مراقبون سياسيون أن (حماس) وإسرائيل بحاجة إلى عودة التفاوض لتحقيق أهدافهما رغم كل ما حدث، فالحركة الفلسطينية تريد وقف القتال وتنفيذ باقي مراحل الاتفاق، فيما تريد سلطة الاحتلال عودة الأسرى واستعادة الهدوء لمنطقة غلاف غزة، والتفرُّغ لمواجهة الأزمات الداخلية المتفاقمة.
لكن من المؤكد أن استئناف العدوان الإسرائيلي من شأنه إعاقة المفاوضات التي يتوقع أن تدخل مرحلة من التجميد، خصوصاً بعد الإعلان الإسرائيلي عن أنه «لا تفاوض إلا تحت النار»؛ بهدف فرض الاتفاق بالقوة.
بيد أن المشكل الذي يواجه مختلف أطراف الأزمة يكمن في أن نقض الاتفاق الحالي وانهيار الهدنة، يعني أنه لا ضمانة لأي اتفاق قادم، ومن هذا المنطلق تصر حركة (حماس) والفصائل الفلسطينية على التمسك بالاتفاق الحالي، والالتزام بتنفيذ بنوده كافة، وهو ما تحدث عنه عضو المكتب السياسي لـ(حماس) عزت الرشق عندما قال: إن «العدو لن يحقق بالحرب والدمار، ما عجز عن تحقيقه بالمفاوضات». وربما يبدو السيناريو الأخطر في عجز كل الأطراف عن التوصل إلى تسوية توقف نزيف الدم في غزة، الأمر الذي يثير المخاوف من مخاطر خروج التصعيد الحالي عن السيطرة، ويُنذر بالوصول إلى سياسة حافة الهاوية، ما يهدد بإشعال المنطقة برمّتها من جديد، وهو ما يوجب على الأطراف كافة، الانصياع إلى صوت العقل، والعودة إلى المسار التفاوضي، والوصول إلى حل دائم، وليس مجرد مسكنات.
أخبار ذات صلة