الأجندة الداخلية التي أعلن عنها الرئيس ترمب في خطابه؛ هي بمثابة ضوء أخضر لانطلاقة هذا العهد الجديد، وتحديداً عند حديثه عن مكافحة الجريمة، والهجرة غير القانونية، وتحديات البطالة والتضخم، وأهمية فرض الرسوم الجمركية على الصادرات الأجنبية، وصولاً إلى العدالة وقطع الطريق على تسييسها، وإعادة التنقيب عن النفط والغاز في رحلة الاكتفاء الذاتي، وتغيير مسمى خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، كذلك الحفاظ على القيم الأمريكية بمنع محاولات هندسة العرق والجنس، والإبقاء على الجنس ذكراً أو أنثى، واعتبار عصابات المخدرات جماعات إرهابية.
هذه الأجندة وغيرها ستغيّر وجه أمريكا في العهد الذهبي للرئيس ترمب، ولكن الأهم هو التغيّر التكنولوجي التي ستكون عليه الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه المرحلة، وهو ما أكد عليه في الوصول إلى المريخ، وتسليح الجيش الأمريكي، والانفتاح على العالم، والحد من الرقابة، وهي جميعها مؤشرات على أن الاقتصاد الرقمي سيشهد تحولات كبيرة في المستقبل.
ما نعتقده أن الفترة الثانية للرئيس ترمب لن تكون مثل سابقتها على المستوى الخارجي؛ فالظروف السياسية والاقتصادية مختلفة، ولا تحتمل الكثير من التناقضات، أو المساومة على الحلفاء التاريخيين لأمريكا، أو حتى المواجهة العسكرية مع القوى التي ترى فيها واشنطن محوراً للشر، وهو ما جعل ترمب يقولها صراحة «إن المستحيل هو أفضل ما سنقوم به»، وهذا يحمل إشارة إلى أن التحديات ستكون كبيرة في سياسته الخارجية التي لم يتناولها في خطابه، وترك لنا جملة تحمل عنواناً لهذه التحديات «إرثي أن أكون صانعاً للسلام».
اليوم السلام الذي ينشده ترمب سيحد من تحركات واشنطن العسكرية، وسيكون البديل هو السلام مع القوة التي يرى فيها أن العالم بحاجة إلى أمريكا لتسوية الصراعات الإقليمية والدولية، وبالتالي ستبقى الجزر الأمريكية متاحة للجميع، والعصا حلاً أخيراً للمواجهة لو اضطر لذلك.
الواقع يشير إلى أن هناك انقسامات دولية لمواجهة السياسات الأمريكية في عهد الرئيس ترمب، وعبّرت عن ذلك صراحة وزير الخارجية الألمانية بقولها: «لسنا متفقين في قضايا المناخ والتجارة والنظام الدولي»، كما أن فرنسا تدعو لمواجهة أجندة ترمب في أوروبا، أما في الشرق الأوسط فلا يزال الوضع أكثر تعقيداً وحساسية وصعوبة من أي وقت مضى، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية اختبار حقيقي للسلام الذي ينشده ترمب، كذلك الضغط على إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
الاقتصاد الأمريكي سيكون داعماً للسلم العالمي، ولكنه لا يكفي من دون حلفاء قادرين على مساعدة الإدارة الأمريكية لتحقيق السلام العادل والشامل، وهو ما سيجعل ترمب مع حلفائه أكثر دبلوماسية في ولايته الثانية لتحقيق إرثه كصانع للسلام.