دمشق ـ في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام الحكومي السوري، أدرجت وكالة الأنباء السورية (سانا) اللغة الكردية ضمن اللغات التي تنشر بها محتواها.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعد تحولا إستراتيجيا في توجهات الوكالة، وإقرارا رسميا بدور الشعب الكردي داخل سوريا، ومحاولة من الحكومة لتعزيز خطاب التعددية الثقافية، في ظل تاريخ من التهميش والتقييد الذي عاشته اللغة الكردية خلال عقود حكم النظام السوري السابق.
بينما يرى آخرون أنها خطوة غير مكتملة الأركان، وذلك بسبب غياب الناظم القانوني والدستوري لها، وإمكانية إلغائها دون أن يترتب عليها أي عقبات قانونية أو سياسية.
القاص والكاتب عباس موسى يؤكد للجزيرة نت “أن الثورة السورية التي دفعت أثمانا باهظة في الأرواح والمفقودين، يستحق شعبها الكثير من الدعم، فالسوريون على اختلاف انتماءاتهم شاركوا في مطلب الحرية والتعددية والديمقراطية”.
خطوة ممتازة
ويصف إضافة اللغة الكردية إلى وكالة “سانا” بأنها “ممتازة، لكنها تحتاج إلى حزمة قرارات وتغييرات، ويجب أن تكون جميع وسائل الإعلام الرسمية متعددة اللغات، فالتعددية اللغوية خطوة جيدة، لكنها أدنى الحقوق وغير كافية”.
في حين استذكر عبد الله عرب منشد ديني ومؤذن في أحد جوامع الحسكة للجزيرة نت كيف كان الشعب الكردي يتعرض للتهديدات والتحقيقات من قبل الأفرع الأمنية، أو مدراء المدارس، أو مندوبي حزب البعث، لمجرد حديث أي شخص بلغته الأم مع صديقه أو ربما أخيه.
وأضاف “أنا متفائل وسعيد للغاية بهذه الخطوة التي تؤكد أن الكرد جزء من البلاد، وهو دليل على تغيير المواقف منهم “.
مطالب إضافية
وفي تصريح للجزيرة نت انتقد عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني- سوريا نافع عبد الله، طريقة تعامل الحكومة السورية في بدايات إدارتها للبلاد قائلا “إنها لم تهتم بشكل جدي بقضايا وحقوق المكونات، سواء السياسية أو اللغوية أو الثقافية”.
ويربط عبد الله بين توجه الحكومة في قضية اللغة، والأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية: “بعد اضطرابات وأحداث منطقة الساحل والسويداء، ظهرت لدى الحكومة السورية حسابات جديدة، ورغبة بعدم تكرار تلك الحوادث مجددا”.
ويصف خطوة إضافة اللغة الكردية إلى وكالة الأنباء السورية بأنها إيجابية. ويقول “بدورنا نشجع هذه التوجهات. لكن يتوجب الاعتراف الرسمي دستوريا باللغة الكردية كلغة رسمية في المناطق الكردية إلى جانب اللغة العربية، وتدرس في المدارس والمعاهد والجامعات”.
أما وليد جولي الباحث في مركز فرات المقرب من الإدارة الذاتية، فقال للجزيرة نت إن “الخطوة ليست خارج سياق المطالب الكردية. لكنها بلا معنى حقيقي، بل هي كلمة حق يراد بها باطل” وفقا لتعبيره.
مواقف متباينة
يعتقد نافع عبد الله أن الحكومة الحالية ترغب بتقديم “مرونة كبيرة لاحتواء المكونات، وقضية اعتماد اللغة القومية للشعب الكردي واحدة من تلك التوجهات، وغالبا ستسعى لنيل رضا مكونات الدولة السورية”.
ودعا في الوقت نفسه إلى تقدير الوضع العام، معتبرا أن الحكومة والبلاد تعانيان من ضغوط خارجية كثيرة، يتعين على المكونات مراعاتها بشكل فاعل، مع الاستمرار بالمطالبة بالحقوق الثقافية واللغوية.
في حين يرى وليد جولي أن “الحكومة السورية تسعى لإظهار نفسها على أنها منفتحة على الحقوق الكردية وجميع المكونات، لكنها تعمل دون العودة للحركة السياسية الكردية فيما يخص حقوق الكرد، وأن التعددية اللغوية والهوياتية لا يجب أن تكون محل تشكيك”.
رد رسمي
في حديثه مع الجزيرة نت يربط مدير العلاقات العامة في وكالة الأنباء السورية محمد العبد الله، بين “وطنية الإعلام الرسمي وقدرته على التواصل مع كافة مكونات البلاد، بلغتهم وأسلوبهم، مشددا على أن البث باللغة الكردية، خطوة باتجاه إعلام يحاكي مكونات المجتمع السوري، ويحترم خصوصياتهم”.
ويوضح العبد الله أن “القرار الصادر يؤكد العمل بجهد بناء مع الكرد، فعليا وليس عبر الخطابات فقط”، مضيفا “شرَعنا بتشكيل فرق المراسلين يتحدثون الكردية مع ضيوفهم داخل وخارج البلاد، على أسس المهنية والكفاءة”.
وحول التحديات التي واجهت العمل قال “البنية التحتية ضعيفة جدا، لتدريب الكوادر لتحديث النظام التحريري، مع ذلك نؤمن أن قرب الإعلام من الناس، وأن يسمعهم وينقل صوتهم ويتحدث معهم، هو صلب عمل الإعلام الوطني”.
وكالة الأنباء السورية (سانا) تطلق تحديثا لموقعها الإلكتروني بهوية جديدة، مع دعم لغات متعددة، الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والتركية، وللمرة الأولى تضيف إليها اللغة الكردية. pic.twitter.com/a0jCBUw5SJ
— سوريا الآن – أخبار (@AJSyriaNowN) August 20, 2025
انقسام بين الصحفيين الكرد
وتبدي الصحفية أولفا حج منصور للجزيرة نت تفاؤلا حذرا حول الموضوع وترى أن “إضافة اللغة الكردية في أخبار وكالة سانا خطوة إيجابية تدل على تقدم ملموس، خاصة وأن الكرد يشكلون جزءا أساسيا من النسيج السوري وعنصرا مهما في جغرافيتها وتاريخها”.
وتضيف “وإذا ما قارنّا هذه الخطوة بالنهج الذي اتبعه النظام السوري السابق، الذي عمل طويلا على تهميش الكرد ومحاولة طمس لغتهم وثقافتهم ووجودهم، فإنها بلا شك تُعد تحولا إيجابيا نحو الاعتراف بالحضور الكردي في سوريا، وتعزيز التواصل بين مكونات المجتمع السوري”.
لكنها تقدم مخاوفها عبر الجزيرة نت “هذه الخطوة بحد ذاتها لا تعني بالضرورة حل القضية الكردية. فالحل الحقيقي يكمن في الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي وضمان حقوقه كاملة ضمن إطار الدولة السورية”.
وتقول إنها تخشى أن يكون “الهدف من إدراجها غطاء لسياسات تسعى إلى إسكات المطالب الكردية في تحقيق تغيير سياسي ودستوري حقيقي”.
أما الإعلامي عبد الهادي شيخي فيرى، في حديث للجزيرة نت، أن “إضافة اللغة الكردية تطور غير مسبوق في الإعلام السوري الرسمي، الذي طالما ناهض استخدام أي لغة غير العربية، لهذا وجود محتوى موجه باللغة الكردية يشكل احتراما للكرد كمكون أساسي في النسيج السوري”.
وأضاف أن “هذه الخطوة المهمة، لا تعالج الحقوق الدستورية الكبرى مثل الاعتراف الكامل بحقوق الكرد في الدستور السوري، وفي ظل عدم تعديل الإعلان الدستوري وإضافة التشريعات لتضمين اللغة الكردية رسميا، فهي مجرد إضافة إعلامية وليست اعترافا قانونيا”.