كابل/ واشنطن- قبل ساعات من رفض مجلس الأمن الدولي منح وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي إعفاء من العقوبات يسمح له بالسفر إلى الهند، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بيانا “عاطفيا” بمناسبة الذكرى الرابعة للتفجير الذي أودى بحياة 13 جنديا أميركيا في مطار كابل الدولي.

وهاجم ترامب سجل إدارة سلفه جو بايدن تجاه أفغانستان قبل الانسحاب منها، وامتدح جهود مكافحة الإرهاب مع حركة طالبان التي نتج عنها تسلم المتهم بالتفجير.

وأظهر بيان البيت الأبيض محورية سياسة ترامب تجاه طالبان والمتمثلة في استغلال أفغانستان للهجوم على إرث بايدن والتركيز على مكافحة الإرهاب. غير أنه في الوقت ذاته، تمثل عرقلة مجلس الأمن لسفر متقي تذكيرا بقدرة واشنطن الواسعة على لعب دور معرقل أو ميِّسر لانفتاح الحركة الحاكمة في كابل على العالم، لا سيما الدول المجاورة لها.

نفوذ واشنطن

يُذكر أن هناك عقوبات دولية مفروضة على قادة طالبان منها ما يتعلق بالسفر للخارج. ويتم منح إعفاءات السفر من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أساس كل حالة على حدة، ولواشنطن القدرة على التأثير في هذه القرارات.

وتشير تقارير إلى أن إدارة ترامب أرجأت قرار إعفاء وزير خارجية أفغانستان، لعدة أيام، قبل أن تعود لتسمح به لاحقا خلال أسبوع أو اثنين، في رسالة تذكير بحجم نفوذها الدبلوماسي.

وفي ندوة عُقدت مؤخرا بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، اعتبر دوغلاس لندن، المسؤول الأميركي السابق، والأستاذ المشارك بمركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، أن “قادة حركة طالبان برغماتيون ويرون أن ترامب يمثل فرصة لهم عليهم استغلالها، إذا تم إقناعه أن واشنطن ستحصل على مكاسب من علاقة قوية مع أفغانستان مثل مواردها المعدنية والمواد النادرة، إضافة لمكانتها الإستراتيجية ولأهميتها في مكافحة الإرهاب، ولمواجهة النفوذ الصيني المتزايد”.

واعتبر لندن أن تغير موقف واشنطن من الرئيس السوري أحمد الشرع يمنح قادة الحركة أملا في التأسيس لعلاقات مختلفة مع إدارة ترامب، بما قد ينتج عنه من رفع جزئي أو كلي للعقوبات، والإفراج عن الودائع الأفغانية في الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، أثار إلغاء زيارة أمير خان متقي إلى الهند موجة من التساؤلات حول قدرة طالبان على إدارة علاقاتها الخارجية في ظل القيود الدولية. فقد أُلغيت الزيارة بعد أن فشلت نيودلهي في الحصول على إعفاء سفر لمتقي المدرج على قائمة العقوبات الأممية منذ 1999، في خطوة تعكس استمرار قدرة واشنطن على التحكم في دبلوماسية طالبان.

ولم تكن هذه المرة الأولى، فقد سبق أن أُلغيت زيارة مماثلة لمتقي إلى باكستان، بينما حصل على إذن للذهاب إلى بكين والإمارات والسعودية، مما يوضح أن أي تحرك دبلوماسي للحركة مرتبط بموافقة الولايات المتحدة.

أداة ضغط

تستخدم واشنطن آلية الإعفاءات ضمن مجلس الأمن كأداة ضغط غير مباشرة، حيث يخضع كل تحرك لمسؤولي طالبان لمراجعة دقيقة، بهدف توجيه سياساتها الخارجية دون مواجهة مباشرة، وضبط التوازن بين السماح بانفتاح محدود وفرض قيود تحافظ على مصالحها الإقليمية.

ومنذ سيطرة طالبان على الحكم في 2021، عززت نيودلهي وكابل علاقاتهما الدبلوماسية. وترى الهند من جانبها في أفغانستان فرصة لتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية، خصوصا في مشاريع البنية التحتية والاستثمار في قطاعات التعدين والطاقة.

كما تسعى للحد من النفوذ الباكستاني في كابل عبر فتح قنوات مع طالبان، لكنها تدرك أن أي تقارب دون موافقة واشنطن قد يثير غضبها ويقيد تحركاتها. ورغم أن الهند لم تعترف بعد بنظام الحركة، فإنها سلمت قنصليات أفغانستان في مدينتي مومباي وحيدر آباد إلى دبلوماسيين منها. وتضغط بعض جماعات حقوق الإنسان على إدارة ترامب ليستمر في لعب دور معوق أمام سلطة الحركة للحصول على اعتراف عالمي.

في هذا السياق، يرى الدبلوماسي الأفغاني السابق شريف غالب -في تصريح للجزيرة نت- أن الولايات المتحدة ما زالت تملك مفاتيح الحركة الدبلوماسية لطالبان عبر مجلس الأمن، وتستخدمها لتقييد أي مسار يمنحها شرعية إقليمية أو دولية “قبل الالتزام بمعايير حقوق الإنسان وحقوق النساء”، وأن إلغاء زيارة متقي تعكس حدود الانفتاح الممكنة للحركة دون تفاهم مع واشنطن.

في الوقت ذاته، تتعرض علاقات الولايات المتحدة والهند لهزات عنيفة خلال الأشهر الأخيرة بعدما كانت إحدى أكبر دول العالم المرحبة بوصول ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض، إذ فرض الرئيس الأميركي عليها رسوما جمركية بنسبة 50% بسبب مواقفها المؤيدة لروسيا في عدوانها على أوكرانيا، وسياساتها التجارية الحمائية.

من جانب آخر، تنزعج نيودلهي من التقارب الأميركي مع إسلام آباد، الذي ظهر في حياد واشنطن تجاه جولة الصراع الهندي الباكستاني الأخيرة، وما أعقبها من استضافة ترامب لرئيس أركان الجيش الباكستاني في البيت الأبيض.

رفض أفغاني

وعلى الصعيد الإقليمي، يعكس القرار الأميركي توازن القوى بين الهند وباكستان والصين وروسيا، إذ تزيد واشنطن من حساسية منح إعفاءات السفر، في حين قد تغامر بكين وموسكو بدعوة طالبان مع تحمل تكاليف سياسية أقل. أما الحركة، فتعاني من قيود على حضورها الرسمي الدولي، مما يحد من فعاليتها في مشاريع اقتصادية وعلاقات دبلوماسية.

وسبق أن رفضت طالبان مذكرات توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق كبار قادة أفغانستان الشهر الماضي على خلفية ما اعتبرتها “جرائم وتمييز ضد النساء والأقليات العرقية”.

وقالت المحكمة -في البيان المصاحب لمذكرات الاعتقال- إن “طالبان نفذت سياسة حكومية أسفرت عن انتهاكات جسيمة للحقوق والحريات الأساسية للسكان المدنيين في أفغانستان”.

من هنا، يسلط إلغاء زيارات متقي الضوء أيضا على البعد الحقوقي، إذ لم تُجرِ طالبان تغييرات جادة في ملفات حقوق المرأة، مما يعمّق انعدام الثقة الغربية ويقيد أي محاولة لتوسيع التواصل مع جيرانها.

كما يظهر هذا القرار كيف تظل السياسات الأميركية عاملا مؤثرا في ديناميكية علاقات طالبان الخارجية، ويجبر الحركة على موازنة التطلعات الدولية مع القيود الأممية والأميركية.

شاركها.