|

“جسدي منهك، وأمي تنهار أمامي من الإرهاق، وابن عمي يضحي بحياته كل يوم من أجل لقمة العيش، وأطفال غزة يموتون أمام أعيننا… ونحن عاجزون عن مساعدتهم”.

هكذا اختصرت الصحفية الفلسطينية رويدة عامر (30 عاما) واقع حياتها اليومية، بعد أن نزحت إلى منزل عمتها المدمر بمخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة، وفق مقال نشرته مجلة “972+” الإسرائيلية.

وقالت رويدة إن جل ما تفكر به كل صباح هو كيف تجد ما يسد رمق أطفالها وعائلتها، فمنذ أن فرضت إسرائيل حصارا خانقا على القطاع في مارس/ آذار، لم يتذوقوا اللحم أو البيض أو السمك.

وأوضحت أن الغزيين فقدوا حوالي 80% من غذائهم المعتاد، والخبز -إن وجد- قليل، بينما تُباع الخضروات بأسعار “خيالية”، ويكلف الكيلوغرام من الطماطم أكثر من 25 دولارا، والدقيق 45 دولارا.

“الجوع تذكير يومي بأن كرامتنا مهانة في عالم يدّعي التقدم ويتغنّى بالازدهار”

بواسطة الصحفية الفلسطينية رويدة عامر

أطفال قطاع غزة يعانون من نقص حاد في الطعام (الجزيرة)

بين الحياة والموت

وأضافت رويدة أن المجاعة تنهش بأجساد أحبتها ومن حولها، حتى أصبحوا يتجنبون مغادرة المنزل خوفا من الإغماء جراء جهد المشي، وهو ما حصل لأختها أثناء البحث عن طعام لأطفالها.

وأشارت إلى أن الجوع تسلل لكل تفاصيل الحياة، إذ لم تعد والدتها -التي أجرت عملية في عمودها الفقري- قادرة على الصلاة من شدة التعب، ولم تتعرف ابنة عمها ذات العامين على العنب، وظلت تعبث به وكأنه لعبة حتى أطعمها والدها.

وبالنسبة للكاتبة، أصبح الجوع “تذكيرا يوميا بأن كرامتنا مهانة، في عالم يدّعي التقدم ويتغنّى بالازدهار”.

وتابعت: “أقف كثيرا على عتبة المنزل أراقب الأطفال في المخيم، يجلسون أغلب الوقت على الأرض بوجوه فارغة تراقب المارة بلا شعور. وعندما أطلب منهم شيئا، يردون بأصوات منخفضة ومتعبة بأنهم جوعى ولم يأكلوا الخبز منذ أيام”.

واستذكرت الكاتبة بمرارة نشاطها السابق بين منزلها والصحافة والتدريس، مقارنة ذلك بوهن جسدها الحالي الذي أفقدها قدرتها على التركيز، كما أصابها فقر دم بسبب تناول العدس والبقول فقط لشهور، وأصبحت تعاني أيضا من التهاب في الحلق بسبب اعتمادها على التوابل الحارة لتهدئة جوعها.

AA YM 1751519195
العشرات يسقطون بين شهداء وجرحى أثناء محاولة الوصول للمساعدات عند مراكز “مؤسسة غزة الإنسانية” (الأناضول )

الموت في مراكز المساعدات

وسلطت الكاتبة الضوء على المعاناة اليومية لابن عمتها محمود (28) من أجل الحصول على المساعدات لأطفاله الأربعة، مضيفة أنه خسر أكثر من 40 كيلوغراما من وزنه في الأشهر الأخيرة، ولم يعد جسده كما كان، بل صار أشبه بهيكل عظمي يتحرك بدافع غريزة البقاء.

ونقلت قوله في إحدى المرات: “اضطررت للزحف على يديّ وركبتيّ وسط الحشود، وحاولت أن أجمع ما وقع على الأرض من عدس أو أرز أو حمص. عظامي تؤلمني من كثرة ما داسني الناس، ولكن عليّ الصمود من أجل أطفالي… لا أستطيع تحمّل صوت بكائهم من الجوع”.

وفي أحد الأيام، وفق المقال، عاد محمود خالي الوفاض وقد تلطخت ملابسه بالدماء، وأخبر الكاتبة أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على الجموع فجأة وقتل شابا كان يقف بجانبه، ولم يستطع محمود التوقف لمساعدته وسط النيران، إذ كان يسابق الموت لأجل أطفاله الجائعين.

وبحسب إحصائيات وزارة الصحة في غزة، ارتفع عدد الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 86 شخصا، منهم 76 طفلا.

وفي يوم الأحد، حسب المقال، أبلغت الوزارة عن وفاة 18 شخصا جراء الجوع خلال 24 ساعة فقط.

وأكدت الكاتبة أن الموت بات حاضرا في كل مكان، ولم تستطع حتى السير مع والدتها من منزلها إلى مستشفى ناصر دون أن ترى نساء يصرخن فوق أجساد أطفالهن المحتضرين من الجوع.

وقالت إن أهالي غزة لم يعودوا قادرين على القيام بأبسط الأمور التي يمارسها الناس حول العالم يوميا، بعدما جرّدهم الجوع من كل شيء.

شاركها.