في تقرير نشره موقع “منتدى التفكير الإقليمي” الإسرائيلي، قارن الكاتب إليزور غلوك بين الخطتين اللتين أعدتهما جهات دولية لإعادة إعمار قطاع غزة وإدارته خلال السنوات القادمة.

وذكر الكاتب أن الخطة الأولى ظهرت على شكل تقرير في صحيفة نيويورك تايمز في مايو/أيار 2024، حيث كشفت الصحيفة عن لقاء جمع مجموعة من رجال الأعمال وممثلي مؤسسات دولية من الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023، بهدف وضع تصور لمستقبل غزة.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

وأوضح الكاتب أن تفاصيل تلك الخطة لم تُكشف في تقرير نيويورك تايمز، لكن في مايو/أيار 2025، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية- تدرسها كخيار محتمل لمستقبل غزة.

أما الخطة الثانية، فقد ظهرت في أوائل سبتمبر/أيلول 2025 في شكل عرض تقديمي باللغة الإنجليزية، وهو عبارة عن نسخة منقحة من الخطة الأولى، وفقا للكاتب.

ونقل غلوك عن تقرير على موقع واي نت العبري، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعكف حاليا على دراسة هذه الخطة، بينما كانت الخطة السابقة قد عُرضت على الرئيس السابق جو بايدن.

ويتساءل الكاتب في هذا السياق: ما الذي يميز الخطة الحالية عن سابقتها؟ ولماذا نُشرت الآن؟ وما أهدافها؟

الخطة الأولى

كانت الوثيقة الأولى، وفقا للكاتب، بعنوان “من الأزمة إلى الازدهار -خطة لتحويل قطاع غزة من أداة بيد إيران إلى محور للاعتدال”، مشيرا إلى أن الهدف المعلن كان وضع غزة ضمن مشروع الشرق الأوسط الذي يقوم على اتفاقيات أبراهام، بحيث تصبح جزءا من المعركة الشاملة ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.

وذكر الكاتب أن الوثيقة ركزت على دور غزة في السياق الإقليمي والجيوسياسي، معتبرة أن القطاع يعرقل “مشروع الاعتدال الإقليمي” ويمثل تهديدا للرؤية الأميركية لسلسلة التوريد العالمية من الهند مرورا بالشرق الأوسط وصولا إلى أوروبا.

وبحسب الكاتب، قدمت الوثيقة ثلاث مراحل لهذا التحوّل:

المرحلة الفورية (12 شهرا): تستهدف “تطهير” القطاع من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإنشاء “مناطق آمنة” تحت إشراف إسرائيل، على أن تتولى الدول العربية تمويل المساعدات الإنسانية والإشراف على السلطة الفلسطينية المحلية في هذه المناطق.

المرحلة المتوسطة (5-10 سنوات): تشمل إنشاء هيئة متعددة الأطراف للإشراف على إعادة إعمار غزة، مع تطبيق نموذج “خطة مارشال” لعملية نزع السلاح والتغيير الاجتماعي، تحت الحماية الإسرائيلية.

المرحلة بعيدة الأمد: تصبح إسرائيل السلطة الأمنية العليا في القطاع، بينما تنتقل السلطة المحلية إلى الإدارة الفلسطينية بعد إثبات القدرة على نزع السلاح، مع الانضمام لاحقا إلى اتفاقيات أبراهام.

وأشار الكاتب إلى أن الخطة تستغل الدمار في غزة كفرصة لإعادة بناء القطاع، مع استبدال مخيمات اللاجئين بـ”مدن حديثة”، مع تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية قد تستفيد منها إسرائيل والدول العربية والولايات المتحدة.

كما أبرزت الوثيقة أن مشاركة الدول العربية تقدم نموذجا للتدخل العسكري المحتمل في مناطق أخرى مثل اليمن وسوريا ولبنان تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني.

سياق الخطة الأولى

يرى الكاتب أن الخطة تهدف على نطاق أوسع إلى بناء فضاء إقليمي جديد يتجاوز الصراع الراهن بين إيران من جهة، والولايات المتحدة ودول الخليج من جهة أخرى، ويعد سكان غزة برؤية مثالية للسيادة والازدهار الاقتصادي.

لكن الوثيقة لا تعدو -حسب الكاتب- أن تكون خطة تنطوي على قدر من المبالغة، وأداة يستخدمها النظام الإسرائيلي لتبرير أفعاله، وهو ما يكشفه تاريخ نشرها.

وأشارت التقارير المتعلقة بنشر الخطة إلى أنها عُرضت على الحكومة الإسرائيلية في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لكنها لم تُنشر إلا في أواخر أبريل/نيسان 2024، أي بعد عام كامل.

ويمكن الافتراض -وفقا للكاتب- أن الخطة نُشرت نيابةً عن الحكومة الإسرائيلية أو جهات مقربة منها، وأن سياقها هو التصعيد الإسرائيلي ضد إيران.

ويؤكد الكاتب أن هذه الصيغة كانت متوافقة خاصة مع رؤية إدارة بايدن، التي سعت على عكس إدارة ترامب -الانعزالية ظاهريا- إلى الحفاظ على الهيمنة الأميركية في العالم وتعزيزها.

الوثيقة الثانية: مسار اقتصادي بحت

وأفاد غلوك بأن الوثيقة الثانية، التي نُشرت في سبتمبر/أيلول 2025، حملت عنوان الصندوق الكبير “إعادة إعمار غزة، تسريع النمو الاقتصادي والتحول”، وركزت بشكل أكبر على الجوانب الاقتصادية، بما في ذلك نماذج التمويل، والمشاريع المراد تنفيذها، وآليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل إعادة الإعمار.

وذكر الكاتب أن الوثيقة ركزت على أن قيمة غزة الاقتصادية تراجعت إلى الصفر منذ سيطرة حماس، على عكس الضفة الغربية التي استمرت فيها معدلات النمو.

وتتضمن الخطة إنشاء ست مدن جديدة مع طرق سريعة وهي “مدن ذكية” تعتمد على الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية لإدارة السكان والاقتصاد.

إعادة التوطين

وأشار الكاتب إلى أن الوثيقة أقرت صراحة بخطة “إعادة التوطين الطوعي” لسكان غزة، مع تعويضات مالية ودعم في توفير السكن والغذاء، مع تقديرات بأن 25% من السكان سيوافقون على الرحيل، وأن معظمهم لن يعودوا أبدا، بينما يُتوقع أن 90% من الباقين سيحتاجون إلى سكن مؤقت.

وتشير التقديرات الاقتصادية وفق هذه الخطة إلى ارتفاع قيمة القطاع من 0 إلى 320 مليار دولار خلال عشر سنوات.

ولفت الكاتب إلى أن الخطة الجديدة تقلل دور الدول العربية مقارنة بالوثيقة الأولى، مع تركيز أكبر على إشراف إسرائيل والولايات المتحدة على برنامج إعادة الإعمار.

كما تبرر الوثيقة إدارة شؤون الفلسطينيين في غزة على أنها جزء من خطة اقتصادية بحتة، وتعتبر أن أي غزي يغادر القطاع يوفر على صندوق إعادة الإعمار مبلغا ماليا مهما.

الفرق الجوهري بين الخطتين يكمن في التحول من الرؤية الجيوسياسية إلى التصور الاقتصادي البحت، مع غياب شبه كامل لأي دور تلعبه دول المنطقة في رسم مستقبل القطاع ضمن الخطة الثانية

أوجه التشابه والاختلاف

ذكر الكاتب أن الفرق الجوهري بين الخطتين يكمن في التحول من الرؤية الجيوسياسية إلى التصور الاقتصادي البحت، مع غياب شبه كامل لأي دور تلعبه دول المنطقة في رسم مستقبل القطاع ضمن الخطة الثانية.

وأوضح أن هذا التحوّل يعكس نشوة إسرائيل بالتفوق العسكري والسياسي بعد هزيمة حلفاء إيران في المنطقة، فضلا عن اهتمام الإدارة الأميركية الحالية بالجوانب المالية أكثر من اهتمامها بفرض الهيمنة الأميركية على المنطقة، على عكس إدارة بايدن السابقة.

وأكد الكاتب أن الوثيقتين تشتركان في أنهما أداتان لتبرير السياسات الإسرائيلية في غزة، سواء عبر الترويج لإستراتيجية مواجهة النفوذ الإيراني، أو عبر تقديم رؤى اقتصادية تبرر التدمير والإدارة القسرية للقطاع.

ويرى الكاتب أن الوثيقة الجديدة نزعت إنسانية سكان القطاع بشكل كامل، حيث تحولت عملية إعادة الإعمار إلى مجرد آليات استثمارية، تشمل تحويل الأراضي والممتلكات إلى رموز رقمية للتداول في الأسواق المالية، وتشجيع الهجرة الجماعية كوسيلة لتقليل التكاليف المالية.

واختتم الكاتب بأن الوثيقتين تشكلان مصدرا لفهم المنطق الإسرائيلي في التعامل مع قطاع غزة، لكنهما عبارة عن خطط منفصلة عن الواقع وغير قابلة للتطبيق.

شاركها.
Exit mobile version