طوال أكثر من أربعة عقود من الحرب، مارست أفغانستان سيطرة محدودة على الأحواض الخمسة الكبرى التي تُغذّيها بالمياه مع دول أخرى في وسط آسيا.

لكن «طالبان» التي عادت إلى السلطة في 2021، تسعى إلى تكريس سيادتها على المياه، علماً بأن البلاد واحدة من الأكثر تأثراً بتداعيات التغير المناخي، فالجفاف يتنامى، وارتفاع الحرارة يُهدّد الأنهر الجليدية والقمم الثلجية.

وأعلنت سلطات «طالبان» مشروعات طموحة شكلت مصدر توتر مع الدول المجاورة، في موازاة سعيها إلى انتزاع اعتراف دولي بوجودها.

ولم تتجاوب معها على هذا الصعيد سوى روسيا، فيما تأتي التحديات عبر الحدود المرتبطة بقضية المياه.

أفغانستان وإيران

أما إيران فهي الدولة الوحيدة التي وقعت معها أفغانستان معاهدة موضوعها المياه في عام 1973، ويتصل نصها بنهر «هلمند» الذي يعبر جزءاً كبيراً من الأراضي الأفغانية، لكن هذه المعاهدة لم تُطبّق.

وتزداد التوترات القديمة العهد حول السدود في جنوب أفغانستان، في وقت تؤكد فيه إيران التي تتعرض لجفاف حاد عند حدودها، أن هذه السدود تحدّ من تدفق نهر «هلمند» نحو إحدى بحيراتها.

من جهتها، تقول كابول إنه ليست لديها كمية كافية من المياه للإفراج عنها، عازية ذلك إلى التغير المناخي.

وتؤكد سلطات «طالبان» أيضاً، أن «إدارة سيئة للمياه» في الماضي، حالت دون حصول أفغانستان على حصة عادلة.

إلا أن المعاهدة بين أفغانستان وإيران لا تشمل نهر «هاريرود» الذي تتقاسمه طهران وكابول، ويتدفق أيضاً إلى تركمانستان، والتوتر على هذا الصعيد لايزال محدوداً، لكن الأمر قد يتغير إذا قررت سلطات «طالبان» توسيع البنى التحتية الموجودة أصلاً على جزء من النهر، بحسب ما قال الخبير الأفغاني في إدارة المياه، مهد فايزي.

آسيا الوسطى

وبرزت أفغانستان منذ عام 2021 في ملف شائك يتمثّل في نهر «آمو داريا» الحيوي بالنسبة إلى آسيا الوسطى، حيث يتم تقاسم المياه بموجب اتفاقات تعود إلى الحقبة السوفييتية.

وأعربت دول عدة عن قلقها حيال مشروع قناة «قوش تيبا» الأفغاني، كونه سيحوّل ما يصل إلى 21% من «آمو داريا» لري 560 ألف هكتار في شمال أفغانستان، ويزيد جفاف بحر «آرال». وأكثر المتضررين من ذلك هما أوزبكستان وتركمانستان، وقد ينعكس هذا الأمر على علاقاتهما مع كابول، في وقت لا تخفي فيه كازاخستان قلقها من ذلك.

وعلق الخبير الأفغاني في إدارة المياه، مهد فايزي، قائلاً: «الخطاب الودي راهناً ليس مهماً، فحين يتم تشغيل القناة ستبدأ التداعيات».

ويؤكد مسؤولو طالبان أن المشروع لن يؤثر بشكل كبير في منسوب مياه «آمو داريا»، موضحين أنه سيتيح ري محصولات لضمان الأمن الغذائي للمنطقة.

وفي هذا السياق، قال مدير المشروع، ذبيح الله ميري، لوكالة «فرانس برس»، خلال زيارته الأعمال القائمة في ولاية فرياب: «كمية المياه وافرة، خصوصاً حين يفيض (آمو داريا) بسبب ذوبان الجليد في مياهه».

باكستان.. توتر شديد

إلى ذلك، يسود توتر شديد العلاقات بين كابول وإسلام أباد، لكن المياه ليست مصدر توتر فعلياً. وليس لدى البلدين أي آلية تعاون في هذا المجال، على الرغم من أنهما يتقاسمان مياه نهر «كابو» الذي يغذي العاصمة الأفغانية قبل أن يصب في حوض «أندوس» في باكستان.

وتواجه كابول وسكانها الذين يناهز عددهم ثمانية ملايين نسمة، أزمة مياه خطرة ناجمة عن الإدارة السيئة، واستنزاف المياه الجوفية، ومن هنا تسعى سلطات طالبان إلى إحياء مشروعات قديمة، والبدء بأخرى جديدة للاستفادة من مياه النهر.

ومن شأن هذه الخطوة أن تتسبب في توتر مع باكستان التي تواجه كذلك نقصاً في المياه، وتتعرض لضغوط، بعدما ألغت الهند نهاية أبريل الماضي معاهدة مهمة لتقاسم المياه مع جارتها.

غير أن تنفيذ المشروعات الأفغانية قد يستغرق أعواماً، بسبب الافتقار إلى التمويل والخبرة التقنية.

شاركها.
Exit mobile version